الاثنين، 30 نوفمبر 2009

قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين


بقلم صافى ناز كاظم ٣٠/ ١١/ ٢٠٠٩

يتكلمون عن وباء أنفلونزا الخنازير؟ أفلا يلحظون وباء السرطان السادر فى غيه كالنار فى الهشيم؟ ومع ذلك فأنا أراه هينا إلى جانب وباء القابلية للاستذلال الذى يتغلغل بتسارع مروع بين ظهرانينا فى ترحاب وترحيب وفخر وافتخار.

لم يعد التطبيع مع العدو الصهيونى آفة يتوارى صاحبها عن الأعين خجلا أو اعتذاراً أو تبريراً، كلا! كلا! بل هو الصائح مدينا المستقيم على الحق بأنه « وش» المصائب ومنبع النكد والمفوت لفرص البيع (بأبخس الأثمان!). لم يعد منطق القائلين: «أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون» يثير التقزز والاشمئزاز بل صار راية يتعاجب بتأييدها المتواقحون وينكمش أمامها المتذبذبون وتلقى منها الحجارة على المقاومين.

المغالطة، التى يزعم أصحابها أن الحكمة كانت تقتضى قبول العرب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر ٢٩/١١/١٩٤٧ بتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وفلسطينية، باتت الحدوتة الملتوتة من فلاسفة الدعوة إلى الاستذلال تحت راية منطق : «أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون»! الفاردة طولها وعرضها فوق أدمغتنا ليل نهار. وإنى والله لن أمل شرح حكاية هذا القرار مرارا وتكرارا، أدق به على الأسماع صباحاً ومساء وفى كل وقت وحين، حتى يكف المنهنهون أسفاً عليه عن النهنهة الخائبة.

يقول قائل منهم فى نواحه على «الفرصة الضائعة» إن العرب رفضوا القرار عن جهل وعدم خبرة وعدم قدرة على قراءة الواقع وأن الدولة التى رفضوها عام ١٩٤٧ يبوسون الأيدى اليوم للحصول على ما هو أقل منها مساحة وسيادة وسكانا، ولا ندرى من هم هؤلاء الذين يبوسون الأيدى من أجل الزبالة التى تلقيها الإدارة الأمريكية فى لفافات مقترحاتها العقيمة على منطقتنا؟

وللأبرياء، الذين لم تواتهم فرصة لتأمل قرار ٢٩/١١/١٩٤٧،ألخص بنود الجورالذى يريدوننا أن نندم لعدم استسلامنا الفورى له:

يقول قرار التقسيم، هذا الصادر عن الأمم المتحدة ٢٩/١١/١٩٤٧، للصهاينة الأغراب الذين لا حق لهم أصلا فى الأرض الفلسطينية تعالوا أعطكم ٥٦ ونصف % من فلسطين التى لاتعرفكم ولا تعرفونها لتقيموا دولة يهودية لكم، هكذا من الباب للطاق من دون أى سند شرعى أو قانونى إلا منطق جبروت القوى العظمى التى أرادت أن تخضع الدنيا لإرادتها الغاشمة بعد انتصارها فى الحرب العالمية الثانية، (١٩٣٩/١٩٤٥)، فكيف لا تسارع العصابة الصهيونية الطفيلية بقبول ذلك التقسيم المنكود بالترحاب، وقد أعطى من لايملك من لا يستحق، وتعلن قيام كيانها الصهيونى العنصرى فى ١٥/٥/١٩٤٨؟.

وحين يلتفت قرار التقسيم ٢٩/١١/١٩٤٧ إلى الفلسطينيين، أهل فلسطين وملحها عبر الدهور والعصور، يقول لهم : نأخذ للغاصب أكثر من نصف أرضكم ونبقى لكم ٤٣% منها بعد انتزاع مدينتكم «القدس» للتدويل مشاعا على مائدة اللئام، فكيف كان من الممكن أن نلبى هذا السحت وبأى موجب كان لابد من الإذعان لقوانين الغاب المفترسة من دون أى محاولة لمقاومتها ولو لبضع سنوات؟.

إذا كان رفض التسليم الفورى للبغى والظلم والعدوان هو فى رأى ضعاف العزيمة، النشطاء فى الترويج للاستذلال، جهلاً وعدم خبرة فمتى كان الانسحاق والتفريط والابتهاج بالخسارة هو العلم و«الحداقة»؟

ويبقى فى أذنى صوت الراحل الكريم محمد جلال كشك وهو يتميز غيظا وألما يتساءل:

هل هناك أمة تندم لأنها لم تستسلم فورا؟

الكرامة المصرية


د/حسن نافعة

لم يسبق لى أن التقيت شخصيا علاء مبارك، النجل الأكبر لرئيس الجمهورية. وحتى سنوات قليلة مضت كنت أستمع، كأى مواطن عادى، لروايات كثيرة مثيرة يتناقلها الناس فى منتدياتهم عن نشاطه المالى والتجارى واسع النطاق. ولأن مهنتى هى البحث والتدريس، كان حرصى شديدا على ألا يؤثر كلام مرسل، يصعب التأكد منه وتوثيقه على كل حال، على صورة أقرب إلى الإيجابية كانت قد انطبعت فى ذهنى عنه، لم أكن أدرى سببها بالضبط: ربما وجه مريح وبساطة تلقائية وحب للرياضة وقرب من الناس العاديين وعزوف عن السياسة وحب الظهور. ولا جدال فى أن تعاطفى الإنسانى مع الرجل ازداد كثيرا عقب محنة كبيرة واجهها منذ شهور واجتاز اختبارها بثبات المؤمن.

غير أن هذه الصورة الإيجابية بدأت تهتز فى ذهنى كثيرا، بعكس ما توحى به تعليقات الصحف، عقب تصريحات أدلى بها فى وسائل إعلام حول الأزمة الراهنة بين مصر والجزائر. فخلال أقل من أسبوع واحد شارك علاء مبارك عبر التليفون فى ثلاثة برامج تليفزيونية مصرية واسعة الانتشار،

أولها: فى برنامج «الرياضة اليوم» الذى يقدمه خالد الغندور على قناة دريم، حيث أدلى فى اليوم التالى لمباراة أم درمان مباشرة بحديث استغرق خمس عشرة دقيقة،

وثانيها: فى برنامج «البيت بيتك» الذى يقدمه خيرى رمضان وتامر أمين على القناة الأولى، حيث شارك بعد حديثه الأول بيوم واحد بحديث ثانٍ حول نفس الموضوع استغرق أكثر من ٤٠ دقيقة، وثالثها: فى برنامج «القاهرة اليوم» الذى يقدمه عمرو أديب.

وهكذا أصبح علاء مبارك فجأة وعلى غير العادة هو نجم الإعلام الأول طوال الأسبوع الماضى، حيث نقلت معظم وسائل الإعلام فى مصر والخارج فقرات مطولة من تصريحات علاء وعلقت عليها.

ورغم إدراكى التام بأن التصريحات التى أدلى بها فى حديثه الأول، حين كانت أعصاب الناس لاتزال مشدودة على آخرها، وجدت صدى طيبا فى الصحافة المصرية وقوبلت بارتياح كبير من جانب قطاعات شعبية واسعة، فإننى لا أتردد مطلقا فى القول بأن بعض ما ورد فيها، خصوصا فى أحاديثه اللاحقة، أقلقنى إلى حد الصدمة، ولم أجد سببا واحدا يدعو إليها، وأظن أنها غيرت كثيرا من الصورة الإيجابية التى كانت قد استقرت فى ذهنى عن الرجل.

ولأننى أفترض أن بعض القراء ربما يكون قد فاتهم الاستماع إلى كل التصريحات، فربما يكون من المفيد أن ألخص أولا أهم ما ورد فيها قبل أن أدخل فى شرح الأسباب التى تدعونى إلى رفضها واستنكارها من منطلق أن ضررها أكثر من نفعها. ولإبراز ما تنطوى عليه هذه التصريحات من خطورة، ربما يكون من المفيد أن نميز هنا بين ما تضمنته من معلومات، ومن أحكام قيمية، ومن مواقف وإجراءات طالب علاء مبارك باتخاذها لمواجهة الأزمة.

١- ففيما يتعلق بالشق الخاص بالمعلومات، نفى علاء ما رددته بعض وسائل الإعلام عن هروبه مع أخيه جمال فى أول طائرة عقب اندلاع أحداث الشغب فى السودان، ووصف هذه المعلومات بالكاذبة، وهاجم مروجيها، وأكد أنه انتظر ما يقرب من ساعتين بعد نهاية المباراة وتوجه إلى الأماكن المخصصة لخلع الملابس لمقابلة اللاعبين وإشعارهم بأنهم أدوا ما عليهم، وأصر على العودة مع أخيه جمال بصحبة الفريق على نفس الطائرة حماية له.

٢- وفيما يتعلق بمشاعره الشخصية وأحكامه القيمية: اعتبر علاء أن ما حدث كان مدبرا ومقصودا من جانب الجزائر، وأنه يعكس كرها عميقا غير مفهوم أو مبرر يكنه الجزائريون للمصريين، وأنكر وجود جزائريين يكنون الحب أو الاحترام للمصريين، وتساءل: أين هم وماذا فعلوا؟، وأشار إلى أحد معارفه الذى تعرض للضرب والإهانة من جانب جزائريين أمام أسرته لمجرد أنه مصرى، ونوه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى أن المصريين أكثر تحضرا وأقل همجية، بل ذهب إلى حد التشكيك فى عروبة الجزائريين ومعايرتهم بأنهم لا يتحدثون العربية.

٣- أما فيما يتعلق بوجهة نظره فى كيفية إدارة الأزمة، فقد رفض علاء كل الجهود الرامية لاحتوائها، كما رفض قبول أى اعتذار، حتى من الرئيس بوتفليقة نفسه، وطالب المصريين باتخاذ موقف يعبر عن غضبهم واحتجاجهم دون مراعاة لأى اعتبار أيا كان: «ومحدش يقوللى جزائر وعروبة لأن دى مصطلحات لا تودى ولا تجيب».

بل ذهب بعيدا إلى حد المطالبة بعدم إرسال أى فريق للجزائر أو استقبال أى فريق منها، ولم يكتف بذلك بل طالب بطرد السفير الجزائرى، ولم يتردد فى توجيه كلمات قاسية جدا له تعقيبا على ما تردد عن رفضه الاعتذار للجمهور المصرى: «إيه البرود والتلامة والتناحة دى.. لو كان لديه كرامة ومِروّة يجب أن يعتذر..أنا بقول له لو عندك شوية كرامة اطلع بره البلد إحنا مش عايزينك هنا»!.

تقتضى الأمانة هنا أن أقول إن علاء حرص على أن يؤكد أنه يتحدث بصفته مواطنا عاديا، وليس كابن لرئيس الدولة. ومن حق كل مواطن بالطبع، حتى ولو كان ابن الرئيس، أن يبدى رأيه فى أى قضية، لكن عليه فى الوقت نفسه أن يتحمل مسؤولية وتبعات ما يقول، وأن يقبل الاختلاف أو الاتفاق معه.

وقبل أن أستعرض نقاط الخلاف معه، ليسمح لى السيد علاء أن ألفت انتباهه إلى أنه لا يستطيع أن يخرج من جلده كابن لرئيس الدولة، فلو لم يكن كذلك لما سمح له، على سبيل المثال، بالحديث لمدة ٤٠ دقيقة فى برنامج «البيت بيتك». ولأنه لم يكن يتحدث فى موضوع «رياضى» وإنما يبدى وجهة نظر فى أزمة سياسية بالغة الحدة تكاد تعصف بالعلاقات بين بلدين شقيقين..

أرجو أن يتسع صدره لخلاف عميق معه، فالدفاع عن الوطنية المصرية التى يدعى أنه غيور عليها ويتحدث باسمها لا يكون بالحط من عروبة الجزائر.

ولا جدال فى أن السيد علاء يدرك جيدا أن الجزائر بلد عربى وقع تحت احتلال فرنسى سعى لطمس هويته ومحو عروبته على مدى مائة وثلاثين عاما، وأنه قطع شوطا طويلا على طريق محفوف بالأشواك لاستعادة هويته العربية. لذا لم أتوقع منه أبدا أن يعاير الجزائريين بضعف لغتهم العربية، وكنت أربأ به أن ينزل إلى هذا المستوى.

إننى أتفق مع السيد علاء فى مسألة مهمة، وهى أن الأخطاء التى ارتكبها الجمهور المصرى لا تبرر بأى حال من الأحوال ما ارتكب فى حقه من خطايا من جانب الجمهور الجزائرى، خاصة عندما أقدم هذا الأخير على حرق العلم المصرى فى شوارع باريس ومارسيليا وقام بالاعتداء على مكاتب وشركات مصرية فى الجزائر والسودان، لكننى كنت أتوقع منه حديثا عاقلا يساعد على إطفاء النار ولا يزيدها اشتعالا، مع التمسك فى الوقت نفسه بحقوق المصريين كاملة..

كنت أتوقع منه، مثلا، أن يطالب بتشكيل لجنة تحقيق لتحديد المسؤولية ومعاقبة المقصرين والمخطئين والمجرمين على الجانبين، وحصر الأضرار التى وقعت واتخاذ الإجراءات اللازمة، لضمان دفع التعويضات المناسبة عنها.. إلخ.

كما كنت أتوقع منه أن يوجه انتقاداته اللاذعة أيضا إلى أسلوب الحكومة والحزب الوطنى فى إدارة الأزمة، خاصة ما يتعلق منها بالفصل الخاص بمباراة أم درمان حيث كانت جميع الدلائل تشير إلى أنها ستتحول إلى ما يشبه الحرب، لكنه فضّل، بدلا من ذلك، ركوب موجة الغضب الشعبى لحسابات سياسية لا علاقة لها بالمصالح المصرية الاستراتيجية العليا.

ولأن المساحة المخصصة لهذا المقال بدأت تضيق، أود فى النهاية أن أشير إلى أن الكرامة كلٌ لا يتجزأ، وأن الحفاظ على كرامة المصريين هو الذى يصنع كرامة مصر وليس العكس.

فى سياق كهذا، من الضرورى أن ندرك أن التهاون مع الأمريكان حين يستخدمون المعونة وسيلة لابتزاز مصر، أو مع الإسرائيليين حين يغيرون على حدودنا بدعوى سد الأنفاق أو تعقب الإرهابيين، أو مع عرب الخليج الأثرياء، حين لا يلتزمون باحترام القانون فى بلادنا أو يسيئون معاملة المصريين فى بلادهم.. أمر مرفوض، يستدعى الغضب والاحتجاج،

كما أنه من الضرورى أن ندرك أن كرامة المصريين، التى هى من كرامة مصر، تقتضى أن تنضم معنا للمطالبة بإلغاء حالة الطوارئ، ومنع إساءة معاملة المعتقلين أو تعذيبهم فى السجون، وخلق وظائف لملايين الشباب العاطلين، وبناء مساكن آدمية للملايين من المقيمين فى القبور وفى العشوائيات، والدفاع عن حقوق ملايين المصريين العاملين فى الخارج.

لست ضد طرد السفير الجزائرى من مصر واستدعاء السفير المصرى من الجزائر إذا كان ذلك سيعيد للمصريين بعضا من كرامتهم، التى حاول بعض مهاويس كرة القدم المساس بها فى ظروف استثنائية، لكننى أظن أن بناء نظام ديمقراطى يقطع الطريق على توريث السلطة هو ما سيعيد للمصريين كرامتهم الحقيقية.

لكن يبدو من الطريقة التى أديرت بها معركة أم درمان الكروية، والتى حشد فيها مشجعون يحملون فانلات تحمل شعار الحزب الوطنى وليس علم مصر، أن الحزب الوطنى له فهمه الخاص للكرامة الوطنية، فقد كان مخططه يقضى بأن ينسب نصراً كروياً، توقعه سهلا، لجمال وأن تستقبله الجماهير الفرحة بالنصر فى مطار القاهرة محاطا بالفريق القومى وبمشجعى الحزب الوطنى.

لكن عندما وقعت الهزيمة وغضبت مصر من تصرفات الجزائريين، لم يفت الحزب الوطنى أن يحاول توظيف السخط الجماهيرى لمصلحته أيضا. ولأن جمال لم يكن يصلح لهذه المهمة، فيبدو أن هناك من فكر فى الزج بعلاء فى أتون هذه المعركة.

فهل يدرك السيد علاء مبارك، الذى أكن له كل الاحترام والتقدير، أنه وظّف سياسيا وبدأ يمارس، بوعى أو دون وعى، دورا سياسيا لا يناسبه لأنه يجرى من دكة الاحتياطى؟.. فإذا كان يريد أن يلعب سياسة، فلماذا لا ينضم للفريق الأصلى أو ينضم إلى حملة مناهضة التوريث المعنية هى أيضا، ولكن بطريقتها الخاصة، بالدفاع عن كرامة مصر والمصريين؟

الطبل الأجوف


سلامة أحمد سلامة

بعد أن قيل كل ما يمكن أن يقال من حجج اعتذارية فى تبرير الأخطاء الفادحة التى وقعت فى أزمة الجزائر الكروية مع مصر، وتكشفت كثير من الأضاليل الإعلامية والتصريحات العنترية التى تبارى فى إطلاقها المسئولون فى مصر من ناحية، وأبواق الكذب والغوغائية فى الجزائر من ناحية أخرى، ووجدت الفضائيات وبعض أنواع رديئة من الصحف الفرصة السانحة لممارسة أكبر قدر من الإثارة والتمويه.. ربما يكون قد عاد الآن للأغلبية الذين تحركهم الانفعالات والفهم الخاطئ لمعنى الوطنية والانتماء، ما أهدرته من عقل وبعد نظر.. حتى لتقرأ ماروته إعلامية لامعة، أرادت أن تزرع فى قلب ابنها الصغير حب الوطن، فاصطحبته معها فى «نزهة» الخرطوم لتشجيع الفريق القومى، فلم تجد غير الحسرة وخيبة الأمل.. جراء سوء التنظيم والتخطيط. والوقوع ضحية السذاجة وضعف الحيلة من جانب المسئولين المصريين. والوهم الخاطئ بأن المصريين معصومون من الإساءة والتهجم من جانب أشقائهم الآخرين فى العروبة.

لقد قيل كل ما يمكن أن يقال فى وصف مشاعر المعاناة، تحت وطأة الملاحقة والمطاردة التى تعرض لها المصريون فى شوارع الخرطوم بعد انتهاء المباراة وفوز الجزائر، وكيف انهال المشجعون الجزائريون بأسلحتهم البيضاء على كل من صادفوه من المصريين، انتقاما لما قيل من سوء معاملة الفريق الجزائرى فى مصر. وكان طبيعيا أن تتباين مواقف السودانيين.. فلم يعد أحد يعرف فى عالمنا العربى أيهم أقرب إليه وأكثر تعاطفا، وسط دوامة الخلافات والمنازعات والانقسامات التى تجتاح العالم العربى. كما أن الاعتماد على ما كان لمصر من رصيد ومكانة ودور بين العرب، لم يعد مما يحسب حسابه، فى ظل التحولات التى جدت على الموقف العربى برمته، وتراجع مفاهيم الوحدة والتضامن، وبعد أن أصبحت أساليب المعايرة والادعاء وإثارة النعرات والتفاخر الكاذب، هى اللغة السائدة بين الشعوب العربية.

وفى مثل هذه الأزمات التى تتوالد نتيجة اختلاف الطبائع والأمزجة والثقافات، أو نتيجة رواسب قديمة فى العلاقات بين الشعوب، ولأسباب تبدو ــ مع شىء من التأمل ــ بالغة التفاهة.. كأن يكون التنافس أو التناحر من أجل الفوز بالبطولة فى «ماتش كورة» أو الحصول على منصب أو موقع مرموق، فإن النخبة سواء كانت ممثلة فى قيادات الدولة أو فى مثقفيها وأحزابها، لا ينبغى أن تترك للغوغائية وغرائز القطيع أن تحدد مصير العلاقات بين الدول والشعوب، فإذا وصلت الأمور إلى حد القطيعة أو المقاطعة وإثارة الكراهية، أو لدرجة صدام مسلح كما حدث بين السلفادور وهندوراس، فأنت بإزاء دول وأنظمة متخلفة، فشلت فى قيادة شعوبها وانساقت وراء الدهماء، وفى كثير من الحالات التى اندلعت فيها أعمال الشغب إثر مباريات كرة القدم فى أوروبا، سرعان ما تدخلت الدولة لكبح ثورة الغضب والإحباط التى عادة ما تقود إلى التدمير والتخريب.

وهنا تجدر الإشارة إلى الخطأ الجسيم الذى يسقط فىه كثير من قادة الرأى وبعض السياسيين، الذين يخلطون بين مفهوم الوطنية والانتماء وبين التحيز للفريق القومى فى مباراة للكرة وتمنى الفوز له. فالوطنية أو شعور الانتماء وحب الوطن، لا تعنى بالضرورة الانتصار لفريق الكرة بالحق أو الباطل.. بل إن التعصب الأعمى فى هذه الحالة، يكون بديلا عن حب الوطن، وتعويضا عن شعور عميق بأن المواطن لا يأخذ حقوقه، ولهذا السبب لم تأبه الدولة كثيرا لتوفير الحماية اللازمة لعدة ألوف من المشجعين الذين أرسلتهم بالطائرات إلى الخرطوم، وكانت كل الدلائل تشير إلى أن الخرطوم سوف تشهد ثأر الجزائريين الذى أعدوا العدة لكمين دولى انساق إليه المصريون بمنتهى البلاهة!

وفى الحديث الذى أدلى به السفير المصرى فى الخرطوم لـ«المصرى اليوم» دلائل كافية على ضرورة محاكمة المسئولين فى القاهرة الذين كانوا على علم بما يجرى فى الخرطوم من استعدادات لاصطياد المصريين، ومع ذلك وضعوا أيديهم فى ماء بارد دون اكتراث بالنتائج، ظنا منهم أن إلقاء اللوم كله على الجزائريين ــ شعبا وحكومة ــ سوف يعفيهم من الحساب.

ولهذا السبب، جاءت نغمة التحريض والتهديد والوعيد على لسان جمال وعلاء مبارك، مثل طبل أجوف.. لأن التهديد بالانتقام من الجزائريين بحجة أن مصر دولة كبيرة، ولن تسكت على ما وقع من إساءة لها، ليس هو الأسلوب الأمثل فى الرد على عدوانية الغوغاء الجزائريين. وزاد وزير الإعلام المصرى الذى قاد حملة الدعاية والهجوم ضد الجزائر، فأعلن أنها اتخذت موقفا عدائيا من مصر.. حتى قبل المباراة المشئومة. وتوعد بقطع العلاقات الثقافية والفنية والسينمائية.. وهذه كلها تخبطات سياسية، لأن مصر لا تحتكر هذه العلاقات ولا تنفرد بها.

بل إن موجة التخبط طالت دولا عربية وإسلامية أخرى، اتهمت فيها قطر وإيران بأنهما وراء أحداث الكرة، للاستحواذ على الاستثمارات المصرية فى الجزائر. وهو كلام لا يصدقه عقل. بل يضاعف من عوامل التهييج والتأجيج التى تزيد من حدة الصراعات الإقليمية.. ولن يعيد لمصر كرامتها فى كل الأحوال

زواج عتريس من فؤادة باطل!!


د. حلمي القاعود

يحاول النظام البوليسي الفاشي أن يقنع الناس داخل مصر وخارجها، أنه نظامٌ متسامح، يسعى إلى التطور والتقدم، وأنه يحقق العدل والكرامة لأبنائه جميعًا دون تمييزٍ أو تفرقة، وبين الحين والحين يطرح قضية تشغل الناس، ويُثير الجدل حولها عن طريق أبواقه المأجورة وأقلامه غير المتوضئة، وكلها لا تستحي من التزييف والنفاق وإلباس الحق بالباطل.

في العام قبل الماضي طرح النظام قضية تغيير المادة 76 من الدستور التي تجعل منصب رئيس الجمهورية بالتنافس بدلاً من الاستفتاء، وكان قبل طرحه للقضية بأيام قلائل يؤكد استحالة أي تغيير في الدستور؛ لأنَّ التغييرَ معناه إثارة القلاقل وتعريض البلاد للخطر، وفجأةً وفي ظل عوامل دولية معينة، كانت المفاجأة من إحدى مدارس المنوفية، حيث أطلق الرئيس مبارك قنبلة المادة 76، وفرح الناس، أو الطيبون الذين لا يعرفون طبيعة النظام جيدًا، بهذه المفاجأة، وقالوا إنها بداية لتغييرٍ حقيقي يجعل من حقِّ أي مواطن شريف نظيف، تتوفر فيه الكفاءة وفقًا لما يراه الناس أن يتولى الحكم.

ولكن "أسطوات التفصيل القانوني" جعلوا من المادة 76، أطول مادة في أي دستور من دساتير العالم؛ حيث جاءت في ثلاث صفحات من القطع الكبير (حوالي 1500 كلمة)، تضع معايير ومحاذير؛ تجعل من المستحيل على أي شخص، غير شخص الحاكم أو مَن يريده هو، يصعد إلى سدة الحكم.. وكان منظر رؤساء الأحزاب الحكومية الذين تقدموا بوصفهم "المحلل" من أعجب المناظر في التاريخ؛ حيث كان كل همهم باستثناء اثنين أو ثلاثة الحصول على النصف مليون جنيه التي خصصها النظام لكل مرشح وصيف، بل إنَّ بعض المرشحين لم يخافت وهو يعلن أنه يرشح نفسه ضد الرئيس مبارك، وسوف يعطيه صوته!

هذا المشهد التاريخي يؤكد عبثية ما يعلنه النظام من تغييرات وتعديلات، فقد أعلنها الرئيس صريحةً داوية؛ إنه سيحكم حتى النفس الأخير من حياته- أطال الله عمره، ومتعه بالصحة والعافية!

وبعد الانتخابات- أو الاستفتاء بمعنى أصح- اكتشف الناسُ الحقيقةَ المرَّة، فقد تمَّت تصفية الحسابات أولاً مع مَن دخلوا المنافسة (غير المتكافئة) على أساسِ أنها حقيقية وليست صورية، فتحطَّم حزب الغد، ودخل رئيسه السجن بتهمةٍ غليظةٍ قضت على مستقبله السياسي والإنساني، وتحطَّم حزب الوفد العريق، وتبادل الفرقاء الرصاص في ساحته، ودخل رئيسه- رجل القانون- السجن، وتشوهت صورته وهو في السبعين من عمره، وذهب إلى النسيان بعد خروجه من محبسه! واكتشف الناس ثانيًا أنَّ التغييرَ كان لعبةً للتسلية ليس أكثر تفيد مَن قام بها، وليس مَن يشارك فيها- أي الشعب!

واليوم يقدمون لنا تعديلات على الدستور القائم، تحصّن "بوليسية" النظام وفاشيته، وتجعل قانون مكافحة الإرهاب بديلاً لقانون الطوارئ الذي استمرَّ طوال حكم الرئيس مبارك (ربع قرن)، وكان قائمًا قبله منذ انقلاب يولية 1952م، باستثناء سنوات قلائل تعد على أصابع اليد الواحدة.

ولا شك أن موافقة مجلس الشورى بالإجماع- حتى كتابة هذه السطور- على هذه التعديلات، ومن بعده- كما يتوقع- مجلس الشعب (باستثناء المستقلين)، سيجعل هذه التعديلات أمرًا واقعًا، يحقق غايةً واحدةً هي الزواج الباطل بين السلطة والثروة، بين الاستبداد والقهر، بين التزييف والتخلف، بين الخضوع للإرادة الأجنبية وفقدان الاستقلال.. إنه زواج عتريس من فؤادة، وهو زواج باطل، كما أعلن الشيخ إبراهيم في رواية ثروت أباظة "شيء من الخوف"؛ لأنه يقوم على الإكراه والقسر والقهر، وليس الرضا والتفاهم والتوافق.

ولا شك أنَّ ثقافةَ الخوف لدى شعبنا التعيس، قد أثمرت وجود هذا الزواج الباطل، وجعلته يستمر أكثر من نصف قرن شهدنا فيها أكبر هزيمة عسكرية عاشها المصريون على مدى التاريخ، وما زلنا ندفع ثمن هذه الهزيمة حتى اليوم، وأقرب الأمثلة على ما ندفعه هو استئساد دول أعالي النيل وتهديدها لنا في الحصول على حصةِ المياه المقررة وفقًا للاتفاقيات الدولية، وها هي إثيوبيا تعلن عن نفسها قوة إقليمية عظمى بغزو الصومال واحتلاله، وها هي كينيا تنسحب من محادثات دول حوض النيل؛ لأنها ترفض أن تحصل مصر على نسبتها المقررة في المياه، وتعلن عن إقامة سدود ومشروعات على بحيرة فيكتوريا، ليشرب المصريون بعدها من البحر!!وكل ذلك بفضل الزواج الباطل، الذي حوَّل المصري إلى مجرَّد عبدٍ عليه أن يسمع ويُطيع، وإلا انتهك عرضه في السجون والمعتقلات والأقسام!

إنَّ جمهوريات الموز التي تعيش في ظروف أسوأ من ظروفنا، وتسكن في ضواحي الشيطان الأكبر أو في فنائه الخلفي وفقًا للتسمية الشائعة، صنعت الحرية لشعوبها وضحَّت من أجلها، وانتخبت حكامًا معادين للشيطان الأكبر.. ولست أدعو إلى محاربة الشيطان الأكبر أو معاداته، ولكن أدعو إلى التعبير عن إرادة الشعب من خلال نظام حرٍّ حقيقي، يستطيع أن يواجه الدنيا كلها بهذه الإرادة.

لقد كان أبشع ما ارتبط بهذه التعديلات، هو إهانة "الإسلام" وازدرائه، واتهامه بما ليس فيه، وتجييش الكُتَّاب المرتزقة، وماسحي "بيادة" لاظوغلي، واليسار المتأمرك، للإلحاحِ على ما يُسمَّى بالدولة الدينية، والأحزاب الدينية، والمواطنة!

ويبدو أنَّ البعضَ ليس لديه معرفة جيدة بالإسلام وتاريخه، فراح عن قصدٍ أو غير قصدٍ يتحدث عن الدولة الدينية التي تريد إقامتها هذه الجماعة أو تلك، والأحزاب التي تنشئها هذه الفرقة أو تلك، ثم وهو الأنكى اتهام الإسلام بالعنصرية والتمييز.

وواضح أنَّ القومَ لا يستطيعون توجيه هذا الكلام إلى الدولة الدينية حقًّا، والأحزاب الدينية التي تشكل حكومتها، والعنصرية أو التمييز الذي تمارسه على أرض الواقع فعلاً، ومن منطلقٍ ديني علني لا يمثل سرًّا.. أعني دولة الغزاة النازيين اليهود في فلسطين المحتلة، التي تجعل غير اليهودي درجة ثانية، والعربي درجة عاشرة، وقيمته إذا قُتل ثلاثة (أجورات) = ثلاثة مليمات، كما حكمت بذلك المحكمة العليا اليهودية في القدس المحتلة ذات يوم!

لقد أقام الإسلام أول دولة مدنية على ظهرِ الأرض، وليس فيه وسيط بين العبد وربه، ولا يملك أحدٌ أن يمنح أحدًا صكًا بالغفران أو الحرمان.. والأحزاب والجماعات التي تخلقت بعد عهد الراشدين كانت كلها سياسية، ولكن نظام المجتمع على مدى أربعة عشر قرنًا، ظلَّ يحتكم إلى الإسلام في عباداته ومعاملاته، في ميلاده وموته، في بيعه وشرائه، في حروبه وسلامه، في صحوه ونومه.. وسيظل بإذن الله نظام المجتمع إسلاميًّا إلى يوم الدين!

ولو كلَّف القومُ أنفسهم، وطالعوا ما عرف بصحيفة "المدينة" التي وقعها الرسول- صلى الله عليه وسلم- وقبائل المدينة واليهود، لعرفوا أن الإسلامَ هو أول مَن أرسى حقوق المواطنة التي لا تجدها في أعرق ديمقراطيات الغرب الآن.

إنَّ الذين يهينون الإسلام بهذا الأسلوب الرخيص، لا يستطيعون أن يواجهوا حزبًا دينيًّا حقيقيًّا قائمًا على أرض الواقع تقوده الكنيسة المصرية، ويأتمر بأمرها، ويتحرك بإشارةٍ منها في المناسبات المختلفة، ويرى نفسه فوق الأكثرية السياسية والدينية، شاءت أم أبت!

إننا نريد نظامًا حرًّا يحفظ كرامة الإنسان، ويُعبِّر عن إرادة جموع المواطنين على اختلاف اتجاهاتهم ومذاهبهم وعقائدهم.. ويخضع فيه الجميع للقانون الذي يصنعه نواب الأمة الحقيقيون.

أما هذا الوضع البوليسي الفاشي القائم وتعديلاته المطروحة.. فلن يُقدِّم جديدًا.
إنَّ زواجَ عتريس من فؤادة باطل.

وزير النقل المصري إقالة أم استقالة؟




عصام العريان


بعد مشهد صاخب في مجلس الشعب المصري حصل فيه وزير النقل والمواصلات المهندس «محمد منصور» علي تأييد غالبية أعضاء لجنة النقل والمواصلات من الحزب الوطني الحاكم وقبول اعتذاراته وتبريراته لحادث قطار الصعيد عند مدينة العياط جنوب الجيزة، والذي راح ضحيته حسب التقارير الحكومية 18 ضحية وعشرات المصابين، كان الخبر المفاجئ بقبول رئيس الجمهورية لاستقالة الوزير رجل الأعمال الذي تعددت حوادث القطارات قبل وبعد وأثناء استلامه منصبه قبل بضع سنوات، كان أشهرها حادث حريق قطار الصعيد نفسه عند نفس المدينة المنكوبة وراح ضحية الحريق وقتها أكثر من 400 ضحية بريئة تشكو إلي الله إهمال وفساد ومحسوبية الحاكمين
وبعدها استقال الوزير السابق «إبراهيم الدميري» وبعده قطارات اصطدمت عند قليوب راح ضحيتها الوزير عصام شرف الذي كان أقصرهم مدة.

ما دلالات ذلك الحدث؟

وماذا يعني حصول الوزير علي ثقة نواب البرلمان بينما يقدم استقالته صبيحة اليوم نفسه؟

وهل يعني ذلك أننا نعيش عصر الرجل الواحد الذي يشكل رضاه أو سخطه أهم شيء في حياة الوزراء، أما البرلمان ورجاله فهم لا يمثلون ثقلاً ولا اعتباراً؟

وهل يدل ذلك علي فشل إمكانية محاسبة الوزراء سياسياً أمام مجلس شعب منتخب؟ أم يدل علي أن هؤلاء النواب لا يمثلون الشعب الذي يُقال إنه انتخبهم؟

جدير بالذكر أن اثنين من نواب الصعيد الذي كان الضحايا من بين أبنائه جميعاً تعرضوا لنائب الإخوان «محمود مجاهد» الذي تجرأ وطالب باستقالة الوزير بل تهجم الاثنان عليه ليوسعوه ضرباً لولا تدخل بقية النواب لفض الاشتباك وتباري البعض من نواب الحزب الوطني الذي من المفترض أن يعودوا قبل سنة من الآن إلي دوائرهم للحصول علي ثقتهم من جديد في انتخابات عام 2010 المقبلة، تباروا لالتماس الأعذار للسيد الوزير إلي الدرجة التي وصلت إلي حد الهزل عندما يقول أحدهم : إن الوزير منحوس مثل نادي الزمالك ولكنه يلعب جيداً .

الدلالات السياسية للحدث واضحة لا تخطؤها عين مراقب محايد، ولم تخطؤها عين الرئيس ولا بعض مستشاريه الذين نصحوه بإقالة الوزير وأوعزوا إلي الوزير بتقديم استقالته حفاظاً علي بقية هيبته للحكم أو وضع للحزب تبخر مع تكرار الحوادث المميتة والتي راح ضحيتها الآلاف «مثل حادث العبارة الشهير» وبقاء الوزير رجل الأعمال في موقعه رغم كل ذلك، وهو صاحب شركة سيارات شهيرة وليس في حاجة للوزارة إلا للوجاهة أو لحماية مصالحه الخاصة.

الحزب الوطني سيعقد مؤتمره بعد بضعة أيام، وشعار الحزب في هذا المؤتمر استهلاكي فاقع يقول للمواطن المصري «من أجلك أنت» في سلسلة شعارات مماثلة أثارت غرابة لدي المواطنين بل سخرية المراقبين.

لذلك ارتبط الحادث في ذهن المواطن المصري بهذا الشعار الكاذب البراق، فها هم عشرات من المواطنين الفقراء راحوا ضحية سياسات الحكومة التي يصفها الجميع بأنها حكومة رجال الأعمال أو حكومة الجباية التي استنزفت أموال الطبقة الوسطي والدنيا في ضرائب لا تنتهي، آخرها ضريبة عقارية جديدة.

وهؤلاء جميعاً لا يجدون من يدافع عنهم داخل البرلمان، بل غالبية الأعضاء من الحزب الوطني «80 %» لا هم لهم إلا تأييد الحكومة ووزرائها والتماس الأعذار لهم، والتصدي للمعارضة خاصة الإخوان المسلمين بالسب والشتم والضرب أحياناً.

والبرلمان نفسه هو نتيجة إحكام القبضة الأمنية علي الانتخابات ، ومع غياب الإشراف القضائي بعد التعديلات الدستورية ، وعدم استقلالية لجنة الانتخابات، والإشراف التام لوزارة الداخلية وموظفي الحكم المحلي علي اللجان الفرعية التي يتم فيها التصويت، والمطاردة الأمنية المستمرة لنشطاء الإخوان والمرشحين منهم، وغياب أحزاب المعارضة الرسمية عن الشارع ومحاصرتها في مكاتب مغلقة، تكون نتائج الانتخابات معروفة سلفاً وترسمها وزارة الداخلية نفسها، وبالتالي تغيب المسئولية السياسية في البرلمان وتختفي المحاسبة السياسية للوزراء ولا يبقي إلا رضا السيد الرئيس أو غضبه يحدد مصير الوزراء.

ظهر جلياً من سياسات ذلك العهد وآخر حكوماته أن المواطن المصري هو آخر ما يمثل من اهتماماته، صحته، نظافة بيئته، توفير فرص عمل له، حقوقه كإنسان، حريته، كرامته ... إلخ.

أما أهم الاهتمامات لدي النظام والعهد فتمثلت في رضا المؤسسات الدولية الاقتصادية والالتزام ببرامجها علي حساب الفقراء والمواطنين وكذلك رضا الولايات المتحدة الأمريكية وأخيراً الرضا الصهيوني كما ظهر في مسألة ترشيح «فاروق حسني» لموقع مدير اليونيسكو وحتي رضا المنظمات الصهيونية مثل «إيباك» بأمريكا التي من أجل عدم إغضابها لم تحضر السفارة المصرية في واشنطن مؤتمراً لمنظمات أخري يهودية مع السلام وضد إسرائيل.

ويلزم لذلك إحكام القبضة الأمنية بقسوة بالغة لمنع الانفجارات الشعبية، وتطويق الاحتجاجات الفئوية أو المهنية بشدة لمنع اندماجها في حركة شعبية أو رفعها مطالب سياسية.

والمخرج من ذلك كله أن يدرك المواطن العادي أن حياته وأمنه كما أن صحته وكرامته رهن بالإصلاح السياسي والدستوري الذي يحقق له حق اختيار نواب يمثلونه تمثيلاً صحيحاً ويحاسبون الحكومة محاسبة شديدة، بل تأتي الحكومة لتخدمه هو كمواطن وليس لتخدم نظام حكم استبد بالأمر دون مشورة الشعب.. المخرج أن يتكاتف المحتجون والغاضبون جميعاً لرسم خريطة طريق آمنة لتغيير الأوضاع سلمياً وبأقل خسائر ممكنة لئلا يحدث الانفجار الذي بات الجميع يتوقعونه وينتظرونه أو يأتي القدر بالمجهول الذي يترقبه الحالمون بمخلص ينهي هذه الأوضاع الشاذة الغريبة.

سيصبح ذلك العهد الذي استمر حوالي ثلاثين سنة جملة اعتراضية في تاريخ مصر الحديث لم تتقدم فيها مصر إلي الأمام خطوة مناسبة، بل إن المفاخر التي كان سيكتبها أنصار العهد من تحسين المرافق والخدمات وإلغاء الديون واستعادة الأراضي والكرامة وغيرها تبددت قبل أن ينتهي العهد إلي كوارث من نوع كوارث القطارات والعبّارات، أو فشل ذريع مثل الفشل في جمع القمامة والزبالة، أو قتل للآمال في الانتقال إلي حياة ديمقراطية بعد محاولات عاجزة لم تنتج إلا خوف النظام من الشعب واختياراته وفرض الوصاية عليه في نهاية المطاف، وأخيراً تبعية ذليلة في مسائل الأمن القومي لاختيارات أمريكية لا تصب في النهاية إلا في مصالح العدو الصهيوني الذي لن يتحول أبداً إلي صديق أو يتخلي يوماً عن عدائه التاريخي لمصر ولشعب مصر.

البقاء لله في نظام مات من زمن وينتظر الجميع لحظة إعلان الوفا
ة.

حروب الإنترنت



فهمي هويدي
لا أعرف ما إذا كنا سنعيش لنشهد حروب الإنترنت أم لا؟.
وإذا كتب لنا أن يمتد بنا العمر إلى ذلك العصر الذي لاحت بوادره في الأفق، فأتمنى ألا نبلغه ونحن بحالتنا هذه.
أعني، والغوغاء والمتعصبون والحمقى يمارسون نزقهم ويفرضون خطابهم ورؤاهم على المجتمع، بما يعرض مصالحه ومصائره للخطر.

وهو كلام أقوله من وحي الفتنة الراهنة، خصوصا بعدما سمعت من بعض العقلاء أن التراشق والتصعيد الحاصلين في العلاقات المصرية الجزائرية كان يمكن أن يصل إلى حد الاشتباك المسلح لو أن بينهما حدودا مشتركة، كما حدث يوما بين هندوراس والسلفادور في أمريكا اللاتينية، وكانت كرة القدم هي السبب أيضا.
ومن رأي هؤلاء ـ وأنا معهم ـ أن العناية الإلهية شاءت أن تتباعد بينهما المسافات، بحيث تكفلت الجغرافيا بفض الاشتباك بين الغوغاء في البلدين.
حروب الإنترنت القادمة تغلبت على المسافات وتجاوزت مشكلة الجغرافيا. إذ وفرت للمتقدمين تكنولوجيا ـ الذين نحمد الله حمدا كثيرا على أننا لسنا منهم ـ أساليب جديدة للاقتتال لم تخطر على بالنا يوما ما.
صحيح أن الخبراء تحدثوا عن وقوع تلك الحروب، ولكن كلامهم ظل يؤخذ على أنه من شطحات الخيال العلمي. وشأن تطورات أخرى كثيرة، فإن ما كان خيالا في الأمس تحول إلى حقائق اليوم،
آية ذلك أن خبراء مؤسسة «مكفي» للخدمات الأمنية في بريطانيا عكفوا على دراسة وتحليل الهجمات الأخيرة التي تعرضت لها شبكة الإنترنت، وأثبتت التحريات أن دوافعها سياسية.

وأفاد التقرير بأن عدة دول بدأت تعد العدة للتصدي لهذه الهجمات وشن أخرى مضادة عبر الإنترنت.
ونقل عن أحد المحللين الأمنيين في المؤسسة، اسمه جريج داي، قوله إن ثمة خمس دول على الأقل شرعت في تسليح نفسها وحشد إمكاناتها الفنية، استعدادا للتعامل مع هذا الصنف من الصراعات، وهذه الدول هي بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وكوريا الشمالية.
وذكر هذا الخبير أن لدى الولايات المتحدة كتيبا عمليا يفصل القواعد والإجراءات التي ينبغي الالتزام بها في حالة خوض حرب الإنترنت. ونوه في هذا الصدد إلى أن الأمريكيين استخدموا أساليب قرصنة أثناء حملتهم لغزو العراق.
أضاف داي أن ثمة أدلة على ارتفاع عدد الهجمات عبر الإنترنت، التي يمكن تصنيفها بحسبانها من قبيل عمليات «الاستكشاف» الممهد لصراعات المستقبل. وأن السهولة التي تتسم بها عملية تجميع الوسائل التي تخاض بها تلك الحروب مثيرة للقلق الشديد.
وأوضح صاحبنا أن خوض حرب ميدانية بالأساليب والأسلحة الحديثة المعروفة يتطلب بلايين الدولارات. ولكن حرب الإنترنت لا تحتاج إلى تلك المبالغ المهولة.
إضافة إلى ذلك فإن أهداف حروب الإنترنت المحتملة هي البنية التحتية للدولة المستهدفة، لأن الشبكة الإلكترونية أصبحت تمتزج بحياتنا اليومية أكثر فأكثر. في حين أن الأهداف في الحروب التقليدية محدودة وليست دائما بذلك الاتساع الذي يشمل بلدا بأكمله، فيدمر إمكاناته ويصيب الحياة فيه بالشلل.
على صعيد آخر، فإن الحرب عبر الإنترنت تتمخض عن مشاكل من نوع مختلف فيما يتعلق بتحديد المهاجمين.
ففي الحرب الميداينة من الممكن جدا أن تعرف السلاح الذي يستخدمه خصمك وكيف يستخدمه. لكن في عالم الإنترنت فإن هذه المهمة تصبح مستعصية للغاية.
جدير بالذكر أنه رغم أن البلدان المتقدمة بدأت تعي خطورة هذا النوع من الحروب، فإن إنشاء نظام دفاعي فعال للتعامل معها يحتاج إلى سنوات، في حين لا تتطلب هجمات الإنترنت من مدبريها سوى أشهر لتنظيمها وشنها.
للأسف، إن التقدم العلمي لا يقترن عادة بالتحضر أو التقدم الأخلاقي، بدليل أن الدولة الوحيدة التي استخدمت القنبلة الذرية لإبادة البشر هي الولايات المتحدة «الأكثر تقدما» لم تتردد في إلقائها على هيروشيما ونجازاكي أثناء الحرب العالمية الثانية، رغم علمها بأن اليابان كانت بصدد الاستسلام ولم تكن هناك ضرورة تستدعي ذلك.

أرجو إذ ما قدر لنا أن ندخل ذلك العصر أن تكون صراعات المنتخبين المصري والجزائري قد انتهت، أو أن تكون كرة القدم قد فقدت بريقها الذي أصاب البعض بالبلاهة والجنون.