الاثنين، 11 يناير 2010

ثمن التوريث




أثارت زيارة جمال مبارك إلى واشنطن شبه السرية وشبه المعلنة، والتي شملت لقاءات مع دبلوماسيين في وزارة الخارجية، وخبراء في مراكز بحوث، لغطًا كبيرًا، لأن مَنْ قام بها يتبوأ موقعًا قياديًا في الحزب الحاكم، وليس وزيرًا أو مسئولاً في الدولة، ورغم ذلك أعطى لنفسه الحق في أن يقوم بمهام لا يستطيع سياسي آخر أن يقوم بها وإلا اتهم بالخيانة والعمالة لأمريكا، في تناقض صارخ بين ما هو مسموح به لسياسي لأنه نجل الرئيس وآخر من باقي الناس.

وإذا كان الخطاب الرسمي يرى أن الدولة والمسئولين الحكوميين هم وحدهم الذين لهم حق التواصل مع الدول والحكومات الغربية والأمريكية، وأن قيام غيرهم بهذا الدور يعتبر نوعًا من الاستقواء بالخارج على حساب الوطن، فكيف سيتعامل هذا الخطاب مع زيارات جمال مبارك المتكررة إلى واشنطن، وكيف يمكن أن نعتبر أن تسويق مشروع التوريث في أمريكا تحت مسمى عرض "إنجازات" الإصلاح هو قضية وطنية يعطى فيها الحق لشخص، ويحرم منها كل نظرائه من السياسيين المصريين.

لقد اعتبرت الحكومة أن قيام جمعية أو منظمة بعرض انتهاكات حقوق الإنسان أمام نظرائها في أمريكا "خيانة للوطن"، في حين أن زيارات جمال مبارك المتكررة لأمريكا هي كلها من أجل صالح الوطن، وبدا الشعب وكأنه قد خرج من تعريف هذا الوطن، الذي لم يعد التنكيل به يثير مشكلة أو حتى تعاطفًا إنسانيًا من قبل الحكم، وصار عقاب الضحية على شكواها أكبر بكثير من عقاب الجلاد على جريمته.

والمشكلة أنه لأول مرة منذ تأسيس الدولة الوطنية الحديثة في مصر منذ أكثر من قرنين، يشعر الناس بأنهم لا يواجهون نظامًا يبطش بهم أو دولة تقسو عليهم، إنما مجموعة ضيقة جدًا من أهل الحكم تنكل بهم كل يوم، وتهين كرامتهم، وتستغل استكانتهم بعد أن تركتهم ضحايا خطط التجهيل التي أصابت وعيهم، كل ذلك من أجل إنجاح مشروع التوريث الذي يستلزم وجود شعب مغيب، ودولة نائمة، ومؤسسات مترهلة، ونخبة معدومة الكفاءة والأخلاق.

فالمؤكد أن المصريين لا يواجهون، كما جرى في فترة سابقة، نظامًا تسلطيًا، إنما "شلة توريث" استبعدت كل القوى والأفكار والرموز الإصلاحية الموجودة داخل النظام وخارجه، في مشهد تَرَحَّم فيه الكثيرون على أيام الدولة التسلطية بعد أن شهدوا عصر العزب والمماليك الخاصة، وتذكروا بالخير نظمًا تسلطية بعد أن رأوا مرحلة الفوضى والعشوائية واللانظام.

والمؤكد أن الشعب المصري سيدفع ثمنًا باهظًا نتيجة تخاذله في إجهاض مشروع التوريث، الذي أصبح يمثل الخطر الأكبر على مستقبل هذا البلد، وسيعنى في حال نجاحه استكمال الفشل الذي عرفناه على مدار 30 عامًا، وانتقاله من فشل سياسي واقتصادي إلى فشل معنوي وأخلاقي سينتهي معه مبرر تأسيس النظام الجمهوري عبر انقلاب عسكري، وقيام الشعب المصري بتضحيات كبرى من أجل استقلاله وكرامته، وتصبح التقاليد المعروفة في النظم الملكية أكثر احترامًا من توريث الجمهوريات، خاصة إذا كان هذا التوريث لم يجلب تقدمًا واحدًا ولو على سبيل السهو في مجال الإصلاح السياسي أو محاربة الفقر والتهميش والفساد.

فلم يحاول ولو خطأ أن يضع بين الـ34 مادة التي تم تعديلها من الدستور، مادة واحدة يمكن وصفها بالإصلاحية، وحتى تغيير المادة 77 وتحديد مدة حكم رئيس الجمهورية بمدتين، كما طالبت القوى الإصلاحية، وكثير منها كان داخل الحزب الوطني، لم يلتفت له أحد من أركان الحكم، وصار مكتوبًا على مصر ألا تعرف لقب الرئيس السابق، لأنها لم تجد من داخل النظام الحاكم من يجرؤ على القول علنًا (وليس سرًا) إن الأزمة الحقيقية التي تعاني منها مصر تعود إلى حالة الجمود السياسي نتيجة بقاء رئيس الجمهورية حاكما لمدة 28 عامًا، وفى حال إذا كان الرئيس مبارك قد غادر السلطة عام 1993 أي بعد أن أنهى مدتين في الحكم، لكان يمكن اعتباره واحدًا من أفضل الرؤساء الذين عرفتهم مصر في تاريخها الحديث.

واللافت أن فشل الحكم في السياسة، لم يعوضه نجاح في أى مجال آخر، فلم نجد جامعة وطنية يتيمة ناجحة، أو مؤسسة عامة واحدة تعمل وفق معايير الحد الأدنى من الكفاءة، أو صحيفة واحدة مثل "الشرق الأوسط" أو "الحياة" أو "الأهرام" منذ أربعين عامًا، أو حتى شارعًا واحدًا به رصيف يمشي عليه الناس، وإشارة مرور تعمل كما كان عليه الحال في كل العصور السابقة.

ويكفى فقط أن نشاهد صور الشوارع وشكل الناس ومظهر المباني والعمران قبل 30 عامًا ونقارنها بحالتها البائسة حاليًا لنعرف حجم التدهور الذي أصابنا، رغم أنه كان من المفروض أن نقفز خطوات إلى الأمام لا أن نركض بسلاسة إلى الخلف.

لقد أصبحت أعداد القتلى في ظل السلام أكبر من أعدادهم في فترات الحروب، لأننا لم نعرف إلا في هذا العهد استفحال مشكلة الفساد وسوء الإدارة، بعد أن عجز النظام عن وضع معايير محترمة لاختيار قياداته العليا فارتاح إلى الموظفين المطيعين، ويا حبذا لو كانوا مثل هؤلاء الذين تركوا ضحايا العبَّارة يموتون في عرض البحر لساعات، أو عباقرة النقل والمواصلات الذين تجلت قدرتهم في تكرار حوادث الطرق والقطارات نتيجة الإهمال والفساد وسوء الإدارة.

والحقيقة أن فوضى الشارع والحياة العامة انتقلت إلى السياسة، وأصبحنا نشهد حروبًا وحملات لتلويث السمعة والشرف وهدم أى قيمة أو معنى لرموز مصر ونخبتها، ومساعدة كثير منهم على الفساد والإفساد، حتى لا يكون أمامنا إلا وريث واحد لحكم البلاد.

لقد اعتدنا في عصورنا الجمهورية السابقة أن تتخاصم الدولة السياسية مع المعارضين السياسيين، فَتَعَرَّضَ كل مَنْ انتمى لتنظيم شيوعي أو إسلامي في عصر عبد الناصر لاعتقال، وكنا نفهم (ولا نقول نوافق) أن يقوم نظام ثوري واشتراكي مثل نظام عبد الناصر باعتقال صحفي يميني له علاقات بأمريكا كالراحل مصطفى أمين، ولكننا لم نفهم قيام النظام الحالي حليف أمريكا الأول في العالم العربي، بحملات تخوين قاسية ضد د. سعد الدين إبراهيم لأن له علاقات طيبة مثل النظام المصري بواشنطن، وعوقب بشدة لمجرد أنه استخدم القنوات نفسها التي يستخدمها جمال مبارك لإيصال رؤيته للأمريكيين.

وأصبح كل رمز سياسي مؤثر عدوًا صريحًا لشلة التوريث، وصار كل رمز علمي أو قيمة فكرية، عدوًا محتملاً حتى لو كان مثل أحمد زويل أو محمد البرادعي، فالمطلوب هو الحفاظ على مصر جرداء وفى تصحر مستمر حتى ينجح مشروع التوريث.

ولأن هذا المشروع يجرى في الظلام وليس له أدنى علاقة بالناس، فقد مارس أكبر عملية استبعاد وتهميش في تاريخ مصر الحديث للمواطنين وللنخبة ولدور مؤسسات الدولة، ولم يحاول أن ينقلنا خطوة إلى الأمام في أي جانب، واختطف الدولة لحساب شلة عطلت قدراتها وأهدرت كفاءتها وهيبتها وصار رموزها محل هجوم بالحق والباطل من أجل اختزال البديل في التوريث.

فهل سندفع ثمن هذا المشروع مرتين: مرة بما فعله فينا ومرة بوصوله إلى السلطة، وحينها سنكون فقدنا كل شيء، أي الحاضر والمستقبل وقبلهما التاريخ، الذي كان في يوم ما به كثير من الجوانب المشرقة؟!

الجمعة، 8 يناير 2010

الجدار فريضة لا نافلة


مطلوب منا أن نكفِّر عن سوء ظننا بالجدار الفولاذي، الذي يقومون بزرعه الآن على الحدود مع غزة.
ذلك أننا لم نكن نعلم بأنه قربة إلى الله واستجابة لتكليف ديني، حتى فتح أعيننا على تلك «الحقيقة» أمين مجمع البحوث الإسلامية، فى بيان لفت نظرى إليه بعض الأصدقاء،
ولا أعرف كيف فات أجهزة الإعلام أن تعطيه حقه من الذيوع والانتشار، وقد نبهت إليه بعد الذي
كتبته يوم الأحد الماضي تعليقا على البيان الذي صدر باسم مجمع البحوث الإسلامية وقرأه شيخ الأزهر، وأعلن فيه تأييد إقامة الجدار، وتأثيم المعارضين والناقدين له.

بالمقارنة بدا بيان شيخ الأزهر تفريطا في حق التكاليف وتهوينا من شأن الواجبات الشرعية، لأنه اكتفى بتأييد إقامة الجدار وسكت عن وجوبه.
وبذلك اعتبره من المباحات في حين أنه عند أمين مجمع البحوث من الواجبات.

والفرق بين الاثنين أن المباح لا يحاسب المرء على التقصير في النهوض به،
أما الواجب فيتعين الالتزام به ويؤثم التقصير في أدائه.
الأمر الذي يعني أن الأميركيين والفرنسيين، الذين يشرفون على تنفيذه ينتظرهم ثواب كبير في الآخرة، جزاء «إحسانهم» الذي لم نقدره حق قدره.

كلام الشيخ علي عبدالباقي أمين مجمع البحوث نشر على الصفحة الأولى من جريدة «المساء»، التي صدرت يوم الخميس الماضي 31 /12،
وهو اليوم الذي عقد فيه المجمع جلسته التي قرأ فيها شيخ الأزهر البيان دون أن يسمح لأحد بمناقشته أو التعليق على مضمونه. تصريحات الشيخ نشرت تحت عنوان يقول
: «الجدار الهندسي فرض ديني».
وفي نص الخبر أن الشيخ المذكور قال: «إن إقامة الجدار الهندسي على الحدود المصرية يعد بمثابة فرض ديني لحماية الأمن القومي المصري..
وإنه يجب على ولي الأمر أن يحمي شعبه بشرط عدم الاعتداء على حقوق الآخرين،
وأضاف أن من حق مصر تعزيز حدودها وتأمين أراضيها لضمان عدم زعزعة الاستقرار».

ما أتى به أمين مجمع البحوث الإسلامية ليس لوجه الله، لكنه لوجه الحكومة أولا وأخيرا. ذلك أمر لا يختلف عليه، رغم أنه لم يكن مضطرا إليه، ولو أنه سكت لكان خيرا له،
وهو ما يستدعي السؤال التالى:
لماذا فعلها إذن؟
ثمة عدة إجابات، تقول
إحداها إنه إذا كان رئيس المجمع رجلا مثل الشيخ طنطاوي فلا غرابة في أن يكون أمينه العام واحدا مثل الشيخ علي عبد الباقي، وأن مجمعا يوضع اسمه على البيان الذي قرأه الأول، يستحق بجدارة أن يتولى الثاني «أمانته».
بقلم أ. فهيمي هويدي
ترجح إجابة أخرى أن تكون للرجل حاجة لدى الحكومة إلى جانب استجلاب عطفها ورضاها ترقية فى المنصب أو تجديد لعقد الوظيفة إذا كان قد قارب سن التقاعد، أو سفره للعلاج في الخارج، أو أي مآرب آخر،

ثمة إجابة ثالثة تقول إن الرجل أراد أن يرشح نفسه خلفا لشيخ الأزهر أو وزير الأوقاف فقرر أن يزايد على الجميع، ورفع عاليا سقف التأييد للحكومة، مصداقا لقول من قال إنك كلما انحنيت أمام الحكومة ازداد مقامك ارتفاعا.

إذا عنَّ لواحد من الأبرياء أن يسأل: هل يمكن أن تكافئه الحكومة بعد الفضيحة التي أقدم عليها؟..
فردي أن حكومتنا لا تخشى فى مجاملة أبنائها لومة لائم.
فقد كافأت ثلاثة من المسؤولين عن محرقة قصر ثقافة بني سويف وجددت تعيينهم
- وكافأت وزيرا سيئ السمعة، بأن أعادت تعيينه في موقع أرفع براتب شهري تجاوز مليون جنيه.
- وكافأت مدير الجامعة الذي ركل بحذائه بعض الطلاب المتظاهرين (ضربهم بالشلوت)، فعينته وزيرا للتربية والتعليم مرة واحدة،
وإذا كان هذا سجلها، فلماذا نستكثر عليها أن تقوم بـ«الواجب» إزاء أمين مجمع البحوث، الذي فعل فعلته لكي يستر فضيحتها؟!
...................

الأمن في مواجهة أحرار العالم


بقلم: د. عصام العريان / إخوان اون لاين
بينما أقف على "فَرْشة" الجرائد صباح الإثنين، أتصفح العناوين عقب صلاة الفجر إذا بحديث يتناثر عن مظاهرة ليلية أمام السفارة الفرنسية في القاهرة، استمرَّت من العاشرة مساءً حتى الثالثة قبل الفجر، وأنهم ما زالوا معتصمين وأغلقوا الطريق قد اتضحت لهم حشود أمنية ضخمة تسد الطريق، وأن المتظاهرين هم من الأجانب جميعًا رجالاً ونساءً وشبابًا من جنسيات متعددة، غالبيتهم فرنسيون، وأن الهتافات كان معظمها للشعب الفلسطيني ولغزة وأهل غزة الذين يعيشون حصارًا قاتلاً منذ 3 سنوات، اشتد في السنة الأخيرة، وتشارك فيه مصر الآن بقوة ببناء جدار فولاذي تحت الأرض؛ لمنع تهريب الغذاء والدواء والحاجات الأساسية التي تمنع السلطات المصرية نفسها مرورها فوق الأرض عبر معبر رفح الذي تصر على إغلاقه طوال الوقت، ولا تفتحه إلا أيامًا معدودات كل شهر؛ لمرور بعض المرضى وبعض الطلاب والعالقين على الجانبين، ولا تمرر عبره إلا شاحنات قليلة تحمل ما يسد الرمق للفلسطينيين، ويمنع الانفجار الذي حدث من قبل.
سألت البعض: هل استخدم البوليس العنف والقوة أو ألقى القبض على بعض المتظاهرين؟
فتبسم ضاحكًا؛ وقال: هل يقدر على ذلك؟ إنهم أجانب!!
وتذكرت الحماية التي كان يضفيها الاحتلال البريطاني على الرعايا الأجانب في مصر، والذين تمتعوا بحريات واسعة، وكانت لهم محاكم خاصة قبل إلغائها.
وتذكرت أكثرْ تاريخًا أبعد عندما تذرَّع البريطانيون بحادثة اعتداء على "مالطي" بالإسكندرية، فتقدمت قواتها وأساطيلها لاحتلال مصر الذي دام سبعين عامًا، والظاهر أنه لم يرحل بالكامل عام 1954م أو حتى عام 1956 بل حلّ مكانه احتلال أجنبي من لون آخر ونوع جديد: مرة سوفيتي ومرة أمريكي؛ حيث ترابط كتيبة كاملة من المهندسين الأمريكيين لتنفيذ الجدار الفولاذي العازل، وتمر كتائب أخرى دورية لتفقد الأمور على الجانب المصري من الحدود مع فلسطين، ونسمع عن زيارات دورية لبرلمانيين من دول متعددة تفتش على الحدود؛ لتطمئن إلى قيام مصر بمهامها المتفق عليها، وتنفذ الاتفاقية الإستراتيجية التي وقعتها "ليفني" مع "كوندليزا رايس" قبل مغادرة الأخيرة وزارة الخارجية وفي آخر يوم عمل لها، يومها قالت مصر إنها ليست طرفًا في الاتفاقية وغير ملزمة بها، والظاهر أن ذلك كان كلامًا في الهواء، وأن مصر لا تستطيع اليوم أن تقول: لا.
ورحت أعيد تذكر ما قرأته في الصحف وتابعته على الفضائيات، فتبين لي أن هناك قافلتين قدمتا من مختلف أنحاء العالم للتضامن مع غزة في ذكرى الحرب التي مر عليها سنة، وقتلت 1400 شهيد منهم أكثر من 300 طفل، ودمرت القطاع بالكامل، واستخدمت الأسلحة المحرّمة دوليًّا كالفسفور الأبيض والقنابل العنقودية وغيرها.
جاءوا من البر والبحر والجو، واحتشدوا في القاهرة أو تسللوا فرادى إلى العريش أو على الحدود يريدون الوصول عبر رفح المغلق إلى غزة؛ لإعلان تضامنهم مع صمود المقاومة في وجه الاحتلال، ليعلنوا أن هناك إنسانية ما زالت باقية، وقلوبًا حيّة تتألم من أجل الإنسان؛ لأنه إنسان بغض النظر عن معتقداته أو موقفه السياسي.
حضروا من أكثر من 50 دولة، يمثلون حوالي ربع سكان العالم، لا يتحدون مصر ولا سيادتها ولا يهددون أمنها القومي، بل يتحدون العدوان والهمجية الصهيونية.
ليست هذه هي المرة الأولى، بل هذه قافلة "شريان الحياة 3" وسبقتها بالتالي قافلتان، يرأسها النائب الجريء البريطاني، "جورج جالاوي" الذي تحدى في بلاده رئيس حزبه "العمال" ورئيس الوزراء "توني بلير"، واحتفظ بمقعده رغم خروجه من الحزب، وترشحه مستقلاً، ثم أسس حزب "الاحترام" ليظل محتفظًا بمقعده، ومعه منظمة "تحيا فلسطين" المنظم الرئيسي للقافلة.
ها هو جالاوي يتلقى جوابًا على سؤال طرحه عليّ في لندن عندما التقينا في برنامج "قناديل في الظلام" الذي يقدمه "محيى الدين اللاذقاني" الكاتب المعروف على قناة (ANN)؛ حيث سألني على الهواء وبين الفواصل: "لماذا لا تتحدون أيها المصريون والسياسيون هذا النظام المستبد؟".
هو الآن أمام المحاولة التي لا أشك أنها ستنجح؛ لكن فليتأمل قدر المعاناة التي يلقاها مع النظام القمعي الذي لا يستطيع اعتقاله ولا ضربه ولا سحله على الأرض ولا تلفيق قضية تزوير له، وفقط يضع العراقيل في وجهه هو وزملاؤه ورفاقه.
لا أشك أن قافلة "شريان الحياة 3" ستصل إلى غزة كما وصلت قافلتان من قبل، وكما وصلت قافلة أميال من الابتسامات، ولكن بعد لأي ونصب وجهد جهيد تبذله وساطة تركية محمومة، أمّا هؤلاء الذين تظاهروا في القاهرة أمام سفاراتهم، وقد علمت أن الإيطاليين تظاهروا أمام سفارتهم أيضًا فلهم شأن آخر، ليس معهم إعلام كافٍ إلا الـ(BBC)، ولا يتحدون النظام كما فعل جالاوي، بل بذلوا الكثير من الوقت للتفاوض الهادئ مع النظام في مصر وممثليه الدبلوماسيين في الخارج وممثليه الشعبيين في الداخل، وعندما وصلوا إلى طريق مسدود اضطروا اضطرارًا للتظاهر في قلب القاهرة أو التسلل فرادى إلى العريش، كما نقلت الصحف.
ينادون "الحرية لغزة" والظاهر أنهم يجب أن ينادوا أولاً بـ"الحرية لمصر"؛ وإذا منعهم النظام من الوصول إلى غزة فسيعودون إلى بلادهم لينضم إليهم العشرات والمئات والآلاف ليتظاهروا أمام السفارات المصرية ينددون بالقمع والمنع والعنت، وعندها لن يجد أزلام النظام الإعلاميون حجة بأن هناك من يسعى لتشويه صورة مصر ودور مصر؛ لأنهم هم الذين قدَّموا الدليل الناصع الذي لا يقبل الشك والبرهان القوي على تواطؤ مصر في حصار غزة، ومنع المساعدات الإنسانية عن شعبها.
اليوم يتظاهرون أمام السفارة الصهيونية في لندن يطالبون بمرور قافلة "شريان الحياة"، ويا له من عار كأنهم يؤكدون أن القرار ليس في القاهرة بل في تل أبيب، هل وصلنا إلى هذا القاع؟!
ها هو النظام المصري أمام تنظيم دولي حقيقي جديد.
والغريب أنه ليس على رأسه د. عبد المنعم أبو الفتوح، وليس يضم أحدًا من الإخوان المسلمين.
وها هو النظام المصري يواجه مظاهرةً عجيبةً للنشطاء الفرنسيين والإيطاليين والأمريكيين، بل وقليل من الهنود في قلب القاهرة، ويغلقون أحد أهم شوارعها، ويعتصمون من أجل المرور إلى غزة!!
(رأيت المظاهرة وأنا أكتب هذا الكلمات على شاشة الـ"BBC").
ولم ألحظ في المظاهرة لا د. حمدي حسن نائب الإخوان ولا د. محمد البلتاجي أمين عام كتلة الإخوان، ولا حتى جورج إسحق أو عبد الحليم قنديل.
يقف النظام اليوم وقوات بوليسه وأدوات قمعه عاجزة عن التعامل مع هذه الظاهرة الإنسانية، فإذا أغلق الحدود البرية والبحرية؛ فكيف يقوم بفرز القادمين في الطائرات، وليس لديه قوائم بأسماء سكان العالم الذين تحرك مشاعرهم وقلوبهم إنسانية عظيمة ورحمة يقدمها الله في قلوب العباد، وقد خلت من قلوب حكامنا الرحمة وافتقدوا الإنسانية.
يا له من موقف عجيب؛ هل يقدر النظام المصري على قمع أحرار العالم؟
بل وضع النظام رجال الخارجية أمام موقف عصيب، فقد استمعت إلى حديث السفير "حسام زكي" باسم الخارجية المصرية، يتكلم بعصبية ولغة غير دبلوماسية إطلاقًا على عكس العهد به، يتهمهم بأنهم تسللوا إلى مصر بتأشيرات سياحية وليست لممارسة نشاط سياسي، وكأن هناك الآن تأشيرات سياسية للتظاهر أو زيارة المحاصرين في غزة.
ويتهمهم أنهم وضعوا السفير الفرنسي بالقاهرة في وضع حرج، وأنه لا يستطيع أن يفعل شيئًا، ويصمم بقوة على أن السلطات المصرية لن تسمح بمرور هؤلاء المتضامنين مع أهل غزة، إلا أنه تدارك الأمر بقوله إنهم رفعوا مذكرة إلى السيد الرئيس في إشارة إلى السلطة العليا التي يمكن أن تجب كل السلطات، وهذا يدل على أن التضامن مع غزة وأهلها ضد العدو الصهيوني بات أمر أمن قومي يحدده الرئيس بنفسه، وليس إستراتيجية ثابتة درجت عليها مصر طوال أكثر من ستين عامًا، حاربت فيها 4 حروب أو أكثر من أجل فلسطين.
——–
* عضو مكتب الإرشاد.

الأربعاء، 30 ديسمبر 2009

القاهرة تنتهك القانون الدولي بإغلاق معبر رفح



قال الدكتور عبد الله الأشعل، مساعد وزير الخارجية المصري السابق أستاذ القانون الدولي، إن القاهرة تنتهك اتفاقيات جنيف بإغلاقها معبر رفح الحدودي مع غزة، واعتبر أن إغلاقه يعكس موقفاً سياسياً لا قانونياً، محذراً من "حرب أهلية فلسطينية تتورط فيها مصر في حال إسقاط حكم "حماس" وتمكين فتح بالقوة الصهيونية".

وقال الأشعل "إن مصر انتهكت الاتفاقية ثلاث مرات، الأولى بامتناعها عن فك الحصار عن الفلسطينيين لتكون قد ساعدت طرفاً دوليا هو "إسرائيل" على تهديد حياة مدنيين أبرياء، بما يتناقض مع بنود الاتفاقية التي تلزمها بالتصدي لأي طرف دولي ينتهكها".

أما الانتهاك الثاني كما يقول الأشعل فيتمثل في مباشرة القاهرة "لفعل الانتهاك، متمثلا في تقاعسها عن نجدة طرف دولي وقع عليه الانتهاك"، وأخيراً بالتنصل من مسؤولياتها إزاء "إقليم حبيس" لا يملك منفذا غير الأراضي المصرية.

إسقاط "حماس"

وأكد في تصريحات لموقع "الجزيرة نت" نشرتها اليوم الأحد (4/1) أن اتفاقية المعابر الموقعة عام 2005، التي تتذرع بها القاهرة لإغلاق المعبر، غير ملزمة لمصر لأسباب ثلاثة، هي "أن القاهرة ليست طرفاً فيها، ولأنها انتهت بعد 6 أشهر من سريانها بنص الاتفاق ولم تجدد، ولأنها تتعلق بالجانب الفلسطيني وليس المصري من معبر رفح".

وشدد على أنه ليس على مصر أي التزام وأن لها السيادة الكاملة على معبر رفح من الجهة المصرية، أما الجانب الآخر فلا علاقة لها به، وأضاف أن مصر تستطيع وضع الضوابط اللازمة فقط لدخول الفلسطينيين إلى أراضيها عبر المعبر.

ويرى الأشعل أن القاهرة تتخذ موقفا سياسيا معاديا لحماس "وتحشد له من الحجج والأكاذيب"، مذكرا بأن الرئيس المصري "قطع بعدم فتح معبر رفح، لأنه متأكد من أن فتحه يجهض المحاولة "الإسرائيلية" لإسقاط حكم "حماس" في غزة".

وتابع أن القيادة المصرية "تتبنى منذ فترة موقفا داعما للمشروع الصهيوني الأميركي وتقود محور الاعتدال العربي، لأسباب ترتبط بالخوف من نجاح التجربة الإسلامية في فلسطين، وامتدادها إلى مصر المجاورة متمثلا في جماعة الإخوان المسلمين".

تشويه

وردا على المخاوف التي ساقها مسؤولون مصريون من دخول أسلحة ومتفجرات من غزة إلى مصر عبر المعبر، قال الأشعل "سمعنا هذا الكلام عندما حدث الاقتحام في يناير/ كانون الثاني، لكن لا أعتقد أنه صحيح، مصر تحاول دفع تهمة التخاذل والمشاركة في حصار غزة بتشويه صورة "حماس"، وكلها تبريرات لم تعد مقبولة عن رجل الشارع البسيط".

وانتقد الدبلوماسي السابق مواقف وتصريحات وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، واعتبر أن أداءه منذ بدء العدوان وحتى قبله "أضر بموقف مصر"، وزاد أن تصريحاته ساهمت في اتهامات مصر بالتواطؤ مع الاحتلال في ضرب غزة. وقال "إما أن مصر متواطئة بالكامل بل وتنسق مع الجانب "الإسرائيلي"، وإما أن أداء السيد أبو الغيط أعطى الانطباع بذلك".

وعن المعلومات المتواترة بترتيبات تجري بين مسؤولين أمنيين مصريين وآخرين فلسطينيين في القاهرة لترتيب الأوضاع في غزة بعد إسقاط "حماس"، قال الأشعل "هذا أمر ليس مستبعداً، القاهرة دربت الأجهزة الأمنية التابعة للرئيس الفلسطيني أبو مازن، كما أنها تنتظر بفارغ الصبر سقوط حكم "حماس" وعودة حلفائها إلى غزة

الاثنين، 30 نوفمبر 2009

قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتقسيم فلسطين


بقلم صافى ناز كاظم ٣٠/ ١١/ ٢٠٠٩

يتكلمون عن وباء أنفلونزا الخنازير؟ أفلا يلحظون وباء السرطان السادر فى غيه كالنار فى الهشيم؟ ومع ذلك فأنا أراه هينا إلى جانب وباء القابلية للاستذلال الذى يتغلغل بتسارع مروع بين ظهرانينا فى ترحاب وترحيب وفخر وافتخار.

لم يعد التطبيع مع العدو الصهيونى آفة يتوارى صاحبها عن الأعين خجلا أو اعتذاراً أو تبريراً، كلا! كلا! بل هو الصائح مدينا المستقيم على الحق بأنه « وش» المصائب ومنبع النكد والمفوت لفرص البيع (بأبخس الأثمان!). لم يعد منطق القائلين: «أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون» يثير التقزز والاشمئزاز بل صار راية يتعاجب بتأييدها المتواقحون وينكمش أمامها المتذبذبون وتلقى منها الحجارة على المقاومين.

المغالطة، التى يزعم أصحابها أن الحكمة كانت تقتضى قبول العرب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر ٢٩/١١/١٩٤٧ بتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وفلسطينية، باتت الحدوتة الملتوتة من فلاسفة الدعوة إلى الاستذلال تحت راية منطق : «أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون»! الفاردة طولها وعرضها فوق أدمغتنا ليل نهار. وإنى والله لن أمل شرح حكاية هذا القرار مرارا وتكرارا، أدق به على الأسماع صباحاً ومساء وفى كل وقت وحين، حتى يكف المنهنهون أسفاً عليه عن النهنهة الخائبة.

يقول قائل منهم فى نواحه على «الفرصة الضائعة» إن العرب رفضوا القرار عن جهل وعدم خبرة وعدم قدرة على قراءة الواقع وأن الدولة التى رفضوها عام ١٩٤٧ يبوسون الأيدى اليوم للحصول على ما هو أقل منها مساحة وسيادة وسكانا، ولا ندرى من هم هؤلاء الذين يبوسون الأيدى من أجل الزبالة التى تلقيها الإدارة الأمريكية فى لفافات مقترحاتها العقيمة على منطقتنا؟

وللأبرياء، الذين لم تواتهم فرصة لتأمل قرار ٢٩/١١/١٩٤٧،ألخص بنود الجورالذى يريدوننا أن نندم لعدم استسلامنا الفورى له:

يقول قرار التقسيم، هذا الصادر عن الأمم المتحدة ٢٩/١١/١٩٤٧، للصهاينة الأغراب الذين لا حق لهم أصلا فى الأرض الفلسطينية تعالوا أعطكم ٥٦ ونصف % من فلسطين التى لاتعرفكم ولا تعرفونها لتقيموا دولة يهودية لكم، هكذا من الباب للطاق من دون أى سند شرعى أو قانونى إلا منطق جبروت القوى العظمى التى أرادت أن تخضع الدنيا لإرادتها الغاشمة بعد انتصارها فى الحرب العالمية الثانية، (١٩٣٩/١٩٤٥)، فكيف لا تسارع العصابة الصهيونية الطفيلية بقبول ذلك التقسيم المنكود بالترحاب، وقد أعطى من لايملك من لا يستحق، وتعلن قيام كيانها الصهيونى العنصرى فى ١٥/٥/١٩٤٨؟.

وحين يلتفت قرار التقسيم ٢٩/١١/١٩٤٧ إلى الفلسطينيين، أهل فلسطين وملحها عبر الدهور والعصور، يقول لهم : نأخذ للغاصب أكثر من نصف أرضكم ونبقى لكم ٤٣% منها بعد انتزاع مدينتكم «القدس» للتدويل مشاعا على مائدة اللئام، فكيف كان من الممكن أن نلبى هذا السحت وبأى موجب كان لابد من الإذعان لقوانين الغاب المفترسة من دون أى محاولة لمقاومتها ولو لبضع سنوات؟.

إذا كان رفض التسليم الفورى للبغى والظلم والعدوان هو فى رأى ضعاف العزيمة، النشطاء فى الترويج للاستذلال، جهلاً وعدم خبرة فمتى كان الانسحاق والتفريط والابتهاج بالخسارة هو العلم و«الحداقة»؟

ويبقى فى أذنى صوت الراحل الكريم محمد جلال كشك وهو يتميز غيظا وألما يتساءل:

هل هناك أمة تندم لأنها لم تستسلم فورا؟

الكرامة المصرية


د/حسن نافعة

لم يسبق لى أن التقيت شخصيا علاء مبارك، النجل الأكبر لرئيس الجمهورية. وحتى سنوات قليلة مضت كنت أستمع، كأى مواطن عادى، لروايات كثيرة مثيرة يتناقلها الناس فى منتدياتهم عن نشاطه المالى والتجارى واسع النطاق. ولأن مهنتى هى البحث والتدريس، كان حرصى شديدا على ألا يؤثر كلام مرسل، يصعب التأكد منه وتوثيقه على كل حال، على صورة أقرب إلى الإيجابية كانت قد انطبعت فى ذهنى عنه، لم أكن أدرى سببها بالضبط: ربما وجه مريح وبساطة تلقائية وحب للرياضة وقرب من الناس العاديين وعزوف عن السياسة وحب الظهور. ولا جدال فى أن تعاطفى الإنسانى مع الرجل ازداد كثيرا عقب محنة كبيرة واجهها منذ شهور واجتاز اختبارها بثبات المؤمن.

غير أن هذه الصورة الإيجابية بدأت تهتز فى ذهنى كثيرا، بعكس ما توحى به تعليقات الصحف، عقب تصريحات أدلى بها فى وسائل إعلام حول الأزمة الراهنة بين مصر والجزائر. فخلال أقل من أسبوع واحد شارك علاء مبارك عبر التليفون فى ثلاثة برامج تليفزيونية مصرية واسعة الانتشار،

أولها: فى برنامج «الرياضة اليوم» الذى يقدمه خالد الغندور على قناة دريم، حيث أدلى فى اليوم التالى لمباراة أم درمان مباشرة بحديث استغرق خمس عشرة دقيقة،

وثانيها: فى برنامج «البيت بيتك» الذى يقدمه خيرى رمضان وتامر أمين على القناة الأولى، حيث شارك بعد حديثه الأول بيوم واحد بحديث ثانٍ حول نفس الموضوع استغرق أكثر من ٤٠ دقيقة، وثالثها: فى برنامج «القاهرة اليوم» الذى يقدمه عمرو أديب.

وهكذا أصبح علاء مبارك فجأة وعلى غير العادة هو نجم الإعلام الأول طوال الأسبوع الماضى، حيث نقلت معظم وسائل الإعلام فى مصر والخارج فقرات مطولة من تصريحات علاء وعلقت عليها.

ورغم إدراكى التام بأن التصريحات التى أدلى بها فى حديثه الأول، حين كانت أعصاب الناس لاتزال مشدودة على آخرها، وجدت صدى طيبا فى الصحافة المصرية وقوبلت بارتياح كبير من جانب قطاعات شعبية واسعة، فإننى لا أتردد مطلقا فى القول بأن بعض ما ورد فيها، خصوصا فى أحاديثه اللاحقة، أقلقنى إلى حد الصدمة، ولم أجد سببا واحدا يدعو إليها، وأظن أنها غيرت كثيرا من الصورة الإيجابية التى كانت قد استقرت فى ذهنى عن الرجل.

ولأننى أفترض أن بعض القراء ربما يكون قد فاتهم الاستماع إلى كل التصريحات، فربما يكون من المفيد أن ألخص أولا أهم ما ورد فيها قبل أن أدخل فى شرح الأسباب التى تدعونى إلى رفضها واستنكارها من منطلق أن ضررها أكثر من نفعها. ولإبراز ما تنطوى عليه هذه التصريحات من خطورة، ربما يكون من المفيد أن نميز هنا بين ما تضمنته من معلومات، ومن أحكام قيمية، ومن مواقف وإجراءات طالب علاء مبارك باتخاذها لمواجهة الأزمة.

١- ففيما يتعلق بالشق الخاص بالمعلومات، نفى علاء ما رددته بعض وسائل الإعلام عن هروبه مع أخيه جمال فى أول طائرة عقب اندلاع أحداث الشغب فى السودان، ووصف هذه المعلومات بالكاذبة، وهاجم مروجيها، وأكد أنه انتظر ما يقرب من ساعتين بعد نهاية المباراة وتوجه إلى الأماكن المخصصة لخلع الملابس لمقابلة اللاعبين وإشعارهم بأنهم أدوا ما عليهم، وأصر على العودة مع أخيه جمال بصحبة الفريق على نفس الطائرة حماية له.

٢- وفيما يتعلق بمشاعره الشخصية وأحكامه القيمية: اعتبر علاء أن ما حدث كان مدبرا ومقصودا من جانب الجزائر، وأنه يعكس كرها عميقا غير مفهوم أو مبرر يكنه الجزائريون للمصريين، وأنكر وجود جزائريين يكنون الحب أو الاحترام للمصريين، وتساءل: أين هم وماذا فعلوا؟، وأشار إلى أحد معارفه الذى تعرض للضرب والإهانة من جانب جزائريين أمام أسرته لمجرد أنه مصرى، ونوه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى أن المصريين أكثر تحضرا وأقل همجية، بل ذهب إلى حد التشكيك فى عروبة الجزائريين ومعايرتهم بأنهم لا يتحدثون العربية.

٣- أما فيما يتعلق بوجهة نظره فى كيفية إدارة الأزمة، فقد رفض علاء كل الجهود الرامية لاحتوائها، كما رفض قبول أى اعتذار، حتى من الرئيس بوتفليقة نفسه، وطالب المصريين باتخاذ موقف يعبر عن غضبهم واحتجاجهم دون مراعاة لأى اعتبار أيا كان: «ومحدش يقوللى جزائر وعروبة لأن دى مصطلحات لا تودى ولا تجيب».

بل ذهب بعيدا إلى حد المطالبة بعدم إرسال أى فريق للجزائر أو استقبال أى فريق منها، ولم يكتف بذلك بل طالب بطرد السفير الجزائرى، ولم يتردد فى توجيه كلمات قاسية جدا له تعقيبا على ما تردد عن رفضه الاعتذار للجمهور المصرى: «إيه البرود والتلامة والتناحة دى.. لو كان لديه كرامة ومِروّة يجب أن يعتذر..أنا بقول له لو عندك شوية كرامة اطلع بره البلد إحنا مش عايزينك هنا»!.

تقتضى الأمانة هنا أن أقول إن علاء حرص على أن يؤكد أنه يتحدث بصفته مواطنا عاديا، وليس كابن لرئيس الدولة. ومن حق كل مواطن بالطبع، حتى ولو كان ابن الرئيس، أن يبدى رأيه فى أى قضية، لكن عليه فى الوقت نفسه أن يتحمل مسؤولية وتبعات ما يقول، وأن يقبل الاختلاف أو الاتفاق معه.

وقبل أن أستعرض نقاط الخلاف معه، ليسمح لى السيد علاء أن ألفت انتباهه إلى أنه لا يستطيع أن يخرج من جلده كابن لرئيس الدولة، فلو لم يكن كذلك لما سمح له، على سبيل المثال، بالحديث لمدة ٤٠ دقيقة فى برنامج «البيت بيتك». ولأنه لم يكن يتحدث فى موضوع «رياضى» وإنما يبدى وجهة نظر فى أزمة سياسية بالغة الحدة تكاد تعصف بالعلاقات بين بلدين شقيقين..

أرجو أن يتسع صدره لخلاف عميق معه، فالدفاع عن الوطنية المصرية التى يدعى أنه غيور عليها ويتحدث باسمها لا يكون بالحط من عروبة الجزائر.

ولا جدال فى أن السيد علاء يدرك جيدا أن الجزائر بلد عربى وقع تحت احتلال فرنسى سعى لطمس هويته ومحو عروبته على مدى مائة وثلاثين عاما، وأنه قطع شوطا طويلا على طريق محفوف بالأشواك لاستعادة هويته العربية. لذا لم أتوقع منه أبدا أن يعاير الجزائريين بضعف لغتهم العربية، وكنت أربأ به أن ينزل إلى هذا المستوى.

إننى أتفق مع السيد علاء فى مسألة مهمة، وهى أن الأخطاء التى ارتكبها الجمهور المصرى لا تبرر بأى حال من الأحوال ما ارتكب فى حقه من خطايا من جانب الجمهور الجزائرى، خاصة عندما أقدم هذا الأخير على حرق العلم المصرى فى شوارع باريس ومارسيليا وقام بالاعتداء على مكاتب وشركات مصرية فى الجزائر والسودان، لكننى كنت أتوقع منه حديثا عاقلا يساعد على إطفاء النار ولا يزيدها اشتعالا، مع التمسك فى الوقت نفسه بحقوق المصريين كاملة..

كنت أتوقع منه، مثلا، أن يطالب بتشكيل لجنة تحقيق لتحديد المسؤولية ومعاقبة المقصرين والمخطئين والمجرمين على الجانبين، وحصر الأضرار التى وقعت واتخاذ الإجراءات اللازمة، لضمان دفع التعويضات المناسبة عنها.. إلخ.

كما كنت أتوقع منه أن يوجه انتقاداته اللاذعة أيضا إلى أسلوب الحكومة والحزب الوطنى فى إدارة الأزمة، خاصة ما يتعلق منها بالفصل الخاص بمباراة أم درمان حيث كانت جميع الدلائل تشير إلى أنها ستتحول إلى ما يشبه الحرب، لكنه فضّل، بدلا من ذلك، ركوب موجة الغضب الشعبى لحسابات سياسية لا علاقة لها بالمصالح المصرية الاستراتيجية العليا.

ولأن المساحة المخصصة لهذا المقال بدأت تضيق، أود فى النهاية أن أشير إلى أن الكرامة كلٌ لا يتجزأ، وأن الحفاظ على كرامة المصريين هو الذى يصنع كرامة مصر وليس العكس.

فى سياق كهذا، من الضرورى أن ندرك أن التهاون مع الأمريكان حين يستخدمون المعونة وسيلة لابتزاز مصر، أو مع الإسرائيليين حين يغيرون على حدودنا بدعوى سد الأنفاق أو تعقب الإرهابيين، أو مع عرب الخليج الأثرياء، حين لا يلتزمون باحترام القانون فى بلادنا أو يسيئون معاملة المصريين فى بلادهم.. أمر مرفوض، يستدعى الغضب والاحتجاج،

كما أنه من الضرورى أن ندرك أن كرامة المصريين، التى هى من كرامة مصر، تقتضى أن تنضم معنا للمطالبة بإلغاء حالة الطوارئ، ومنع إساءة معاملة المعتقلين أو تعذيبهم فى السجون، وخلق وظائف لملايين الشباب العاطلين، وبناء مساكن آدمية للملايين من المقيمين فى القبور وفى العشوائيات، والدفاع عن حقوق ملايين المصريين العاملين فى الخارج.

لست ضد طرد السفير الجزائرى من مصر واستدعاء السفير المصرى من الجزائر إذا كان ذلك سيعيد للمصريين بعضا من كرامتهم، التى حاول بعض مهاويس كرة القدم المساس بها فى ظروف استثنائية، لكننى أظن أن بناء نظام ديمقراطى يقطع الطريق على توريث السلطة هو ما سيعيد للمصريين كرامتهم الحقيقية.

لكن يبدو من الطريقة التى أديرت بها معركة أم درمان الكروية، والتى حشد فيها مشجعون يحملون فانلات تحمل شعار الحزب الوطنى وليس علم مصر، أن الحزب الوطنى له فهمه الخاص للكرامة الوطنية، فقد كان مخططه يقضى بأن ينسب نصراً كروياً، توقعه سهلا، لجمال وأن تستقبله الجماهير الفرحة بالنصر فى مطار القاهرة محاطا بالفريق القومى وبمشجعى الحزب الوطنى.

لكن عندما وقعت الهزيمة وغضبت مصر من تصرفات الجزائريين، لم يفت الحزب الوطنى أن يحاول توظيف السخط الجماهيرى لمصلحته أيضا. ولأن جمال لم يكن يصلح لهذه المهمة، فيبدو أن هناك من فكر فى الزج بعلاء فى أتون هذه المعركة.

فهل يدرك السيد علاء مبارك، الذى أكن له كل الاحترام والتقدير، أنه وظّف سياسيا وبدأ يمارس، بوعى أو دون وعى، دورا سياسيا لا يناسبه لأنه يجرى من دكة الاحتياطى؟.. فإذا كان يريد أن يلعب سياسة، فلماذا لا ينضم للفريق الأصلى أو ينضم إلى حملة مناهضة التوريث المعنية هى أيضا، ولكن بطريقتها الخاصة، بالدفاع عن كرامة مصر والمصريين؟

الطبل الأجوف


سلامة أحمد سلامة

بعد أن قيل كل ما يمكن أن يقال من حجج اعتذارية فى تبرير الأخطاء الفادحة التى وقعت فى أزمة الجزائر الكروية مع مصر، وتكشفت كثير من الأضاليل الإعلامية والتصريحات العنترية التى تبارى فى إطلاقها المسئولون فى مصر من ناحية، وأبواق الكذب والغوغائية فى الجزائر من ناحية أخرى، ووجدت الفضائيات وبعض أنواع رديئة من الصحف الفرصة السانحة لممارسة أكبر قدر من الإثارة والتمويه.. ربما يكون قد عاد الآن للأغلبية الذين تحركهم الانفعالات والفهم الخاطئ لمعنى الوطنية والانتماء، ما أهدرته من عقل وبعد نظر.. حتى لتقرأ ماروته إعلامية لامعة، أرادت أن تزرع فى قلب ابنها الصغير حب الوطن، فاصطحبته معها فى «نزهة» الخرطوم لتشجيع الفريق القومى، فلم تجد غير الحسرة وخيبة الأمل.. جراء سوء التنظيم والتخطيط. والوقوع ضحية السذاجة وضعف الحيلة من جانب المسئولين المصريين. والوهم الخاطئ بأن المصريين معصومون من الإساءة والتهجم من جانب أشقائهم الآخرين فى العروبة.

لقد قيل كل ما يمكن أن يقال فى وصف مشاعر المعاناة، تحت وطأة الملاحقة والمطاردة التى تعرض لها المصريون فى شوارع الخرطوم بعد انتهاء المباراة وفوز الجزائر، وكيف انهال المشجعون الجزائريون بأسلحتهم البيضاء على كل من صادفوه من المصريين، انتقاما لما قيل من سوء معاملة الفريق الجزائرى فى مصر. وكان طبيعيا أن تتباين مواقف السودانيين.. فلم يعد أحد يعرف فى عالمنا العربى أيهم أقرب إليه وأكثر تعاطفا، وسط دوامة الخلافات والمنازعات والانقسامات التى تجتاح العالم العربى. كما أن الاعتماد على ما كان لمصر من رصيد ومكانة ودور بين العرب، لم يعد مما يحسب حسابه، فى ظل التحولات التى جدت على الموقف العربى برمته، وتراجع مفاهيم الوحدة والتضامن، وبعد أن أصبحت أساليب المعايرة والادعاء وإثارة النعرات والتفاخر الكاذب، هى اللغة السائدة بين الشعوب العربية.

وفى مثل هذه الأزمات التى تتوالد نتيجة اختلاف الطبائع والأمزجة والثقافات، أو نتيجة رواسب قديمة فى العلاقات بين الشعوب، ولأسباب تبدو ــ مع شىء من التأمل ــ بالغة التفاهة.. كأن يكون التنافس أو التناحر من أجل الفوز بالبطولة فى «ماتش كورة» أو الحصول على منصب أو موقع مرموق، فإن النخبة سواء كانت ممثلة فى قيادات الدولة أو فى مثقفيها وأحزابها، لا ينبغى أن تترك للغوغائية وغرائز القطيع أن تحدد مصير العلاقات بين الدول والشعوب، فإذا وصلت الأمور إلى حد القطيعة أو المقاطعة وإثارة الكراهية، أو لدرجة صدام مسلح كما حدث بين السلفادور وهندوراس، فأنت بإزاء دول وأنظمة متخلفة، فشلت فى قيادة شعوبها وانساقت وراء الدهماء، وفى كثير من الحالات التى اندلعت فيها أعمال الشغب إثر مباريات كرة القدم فى أوروبا، سرعان ما تدخلت الدولة لكبح ثورة الغضب والإحباط التى عادة ما تقود إلى التدمير والتخريب.

وهنا تجدر الإشارة إلى الخطأ الجسيم الذى يسقط فىه كثير من قادة الرأى وبعض السياسيين، الذين يخلطون بين مفهوم الوطنية والانتماء وبين التحيز للفريق القومى فى مباراة للكرة وتمنى الفوز له. فالوطنية أو شعور الانتماء وحب الوطن، لا تعنى بالضرورة الانتصار لفريق الكرة بالحق أو الباطل.. بل إن التعصب الأعمى فى هذه الحالة، يكون بديلا عن حب الوطن، وتعويضا عن شعور عميق بأن المواطن لا يأخذ حقوقه، ولهذا السبب لم تأبه الدولة كثيرا لتوفير الحماية اللازمة لعدة ألوف من المشجعين الذين أرسلتهم بالطائرات إلى الخرطوم، وكانت كل الدلائل تشير إلى أن الخرطوم سوف تشهد ثأر الجزائريين الذى أعدوا العدة لكمين دولى انساق إليه المصريون بمنتهى البلاهة!

وفى الحديث الذى أدلى به السفير المصرى فى الخرطوم لـ«المصرى اليوم» دلائل كافية على ضرورة محاكمة المسئولين فى القاهرة الذين كانوا على علم بما يجرى فى الخرطوم من استعدادات لاصطياد المصريين، ومع ذلك وضعوا أيديهم فى ماء بارد دون اكتراث بالنتائج، ظنا منهم أن إلقاء اللوم كله على الجزائريين ــ شعبا وحكومة ــ سوف يعفيهم من الحساب.

ولهذا السبب، جاءت نغمة التحريض والتهديد والوعيد على لسان جمال وعلاء مبارك، مثل طبل أجوف.. لأن التهديد بالانتقام من الجزائريين بحجة أن مصر دولة كبيرة، ولن تسكت على ما وقع من إساءة لها، ليس هو الأسلوب الأمثل فى الرد على عدوانية الغوغاء الجزائريين. وزاد وزير الإعلام المصرى الذى قاد حملة الدعاية والهجوم ضد الجزائر، فأعلن أنها اتخذت موقفا عدائيا من مصر.. حتى قبل المباراة المشئومة. وتوعد بقطع العلاقات الثقافية والفنية والسينمائية.. وهذه كلها تخبطات سياسية، لأن مصر لا تحتكر هذه العلاقات ولا تنفرد بها.

بل إن موجة التخبط طالت دولا عربية وإسلامية أخرى، اتهمت فيها قطر وإيران بأنهما وراء أحداث الكرة، للاستحواذ على الاستثمارات المصرية فى الجزائر. وهو كلام لا يصدقه عقل. بل يضاعف من عوامل التهييج والتأجيج التى تزيد من حدة الصراعات الإقليمية.. ولن يعيد لمصر كرامتها فى كل الأحوال