الاثنين، 30 نوفمبر 2009

الطبل الأجوف


سلامة أحمد سلامة

بعد أن قيل كل ما يمكن أن يقال من حجج اعتذارية فى تبرير الأخطاء الفادحة التى وقعت فى أزمة الجزائر الكروية مع مصر، وتكشفت كثير من الأضاليل الإعلامية والتصريحات العنترية التى تبارى فى إطلاقها المسئولون فى مصر من ناحية، وأبواق الكذب والغوغائية فى الجزائر من ناحية أخرى، ووجدت الفضائيات وبعض أنواع رديئة من الصحف الفرصة السانحة لممارسة أكبر قدر من الإثارة والتمويه.. ربما يكون قد عاد الآن للأغلبية الذين تحركهم الانفعالات والفهم الخاطئ لمعنى الوطنية والانتماء، ما أهدرته من عقل وبعد نظر.. حتى لتقرأ ماروته إعلامية لامعة، أرادت أن تزرع فى قلب ابنها الصغير حب الوطن، فاصطحبته معها فى «نزهة» الخرطوم لتشجيع الفريق القومى، فلم تجد غير الحسرة وخيبة الأمل.. جراء سوء التنظيم والتخطيط. والوقوع ضحية السذاجة وضعف الحيلة من جانب المسئولين المصريين. والوهم الخاطئ بأن المصريين معصومون من الإساءة والتهجم من جانب أشقائهم الآخرين فى العروبة.

لقد قيل كل ما يمكن أن يقال فى وصف مشاعر المعاناة، تحت وطأة الملاحقة والمطاردة التى تعرض لها المصريون فى شوارع الخرطوم بعد انتهاء المباراة وفوز الجزائر، وكيف انهال المشجعون الجزائريون بأسلحتهم البيضاء على كل من صادفوه من المصريين، انتقاما لما قيل من سوء معاملة الفريق الجزائرى فى مصر. وكان طبيعيا أن تتباين مواقف السودانيين.. فلم يعد أحد يعرف فى عالمنا العربى أيهم أقرب إليه وأكثر تعاطفا، وسط دوامة الخلافات والمنازعات والانقسامات التى تجتاح العالم العربى. كما أن الاعتماد على ما كان لمصر من رصيد ومكانة ودور بين العرب، لم يعد مما يحسب حسابه، فى ظل التحولات التى جدت على الموقف العربى برمته، وتراجع مفاهيم الوحدة والتضامن، وبعد أن أصبحت أساليب المعايرة والادعاء وإثارة النعرات والتفاخر الكاذب، هى اللغة السائدة بين الشعوب العربية.

وفى مثل هذه الأزمات التى تتوالد نتيجة اختلاف الطبائع والأمزجة والثقافات، أو نتيجة رواسب قديمة فى العلاقات بين الشعوب، ولأسباب تبدو ــ مع شىء من التأمل ــ بالغة التفاهة.. كأن يكون التنافس أو التناحر من أجل الفوز بالبطولة فى «ماتش كورة» أو الحصول على منصب أو موقع مرموق، فإن النخبة سواء كانت ممثلة فى قيادات الدولة أو فى مثقفيها وأحزابها، لا ينبغى أن تترك للغوغائية وغرائز القطيع أن تحدد مصير العلاقات بين الدول والشعوب، فإذا وصلت الأمور إلى حد القطيعة أو المقاطعة وإثارة الكراهية، أو لدرجة صدام مسلح كما حدث بين السلفادور وهندوراس، فأنت بإزاء دول وأنظمة متخلفة، فشلت فى قيادة شعوبها وانساقت وراء الدهماء، وفى كثير من الحالات التى اندلعت فيها أعمال الشغب إثر مباريات كرة القدم فى أوروبا، سرعان ما تدخلت الدولة لكبح ثورة الغضب والإحباط التى عادة ما تقود إلى التدمير والتخريب.

وهنا تجدر الإشارة إلى الخطأ الجسيم الذى يسقط فىه كثير من قادة الرأى وبعض السياسيين، الذين يخلطون بين مفهوم الوطنية والانتماء وبين التحيز للفريق القومى فى مباراة للكرة وتمنى الفوز له. فالوطنية أو شعور الانتماء وحب الوطن، لا تعنى بالضرورة الانتصار لفريق الكرة بالحق أو الباطل.. بل إن التعصب الأعمى فى هذه الحالة، يكون بديلا عن حب الوطن، وتعويضا عن شعور عميق بأن المواطن لا يأخذ حقوقه، ولهذا السبب لم تأبه الدولة كثيرا لتوفير الحماية اللازمة لعدة ألوف من المشجعين الذين أرسلتهم بالطائرات إلى الخرطوم، وكانت كل الدلائل تشير إلى أن الخرطوم سوف تشهد ثأر الجزائريين الذى أعدوا العدة لكمين دولى انساق إليه المصريون بمنتهى البلاهة!

وفى الحديث الذى أدلى به السفير المصرى فى الخرطوم لـ«المصرى اليوم» دلائل كافية على ضرورة محاكمة المسئولين فى القاهرة الذين كانوا على علم بما يجرى فى الخرطوم من استعدادات لاصطياد المصريين، ومع ذلك وضعوا أيديهم فى ماء بارد دون اكتراث بالنتائج، ظنا منهم أن إلقاء اللوم كله على الجزائريين ــ شعبا وحكومة ــ سوف يعفيهم من الحساب.

ولهذا السبب، جاءت نغمة التحريض والتهديد والوعيد على لسان جمال وعلاء مبارك، مثل طبل أجوف.. لأن التهديد بالانتقام من الجزائريين بحجة أن مصر دولة كبيرة، ولن تسكت على ما وقع من إساءة لها، ليس هو الأسلوب الأمثل فى الرد على عدوانية الغوغاء الجزائريين. وزاد وزير الإعلام المصرى الذى قاد حملة الدعاية والهجوم ضد الجزائر، فأعلن أنها اتخذت موقفا عدائيا من مصر.. حتى قبل المباراة المشئومة. وتوعد بقطع العلاقات الثقافية والفنية والسينمائية.. وهذه كلها تخبطات سياسية، لأن مصر لا تحتكر هذه العلاقات ولا تنفرد بها.

بل إن موجة التخبط طالت دولا عربية وإسلامية أخرى، اتهمت فيها قطر وإيران بأنهما وراء أحداث الكرة، للاستحواذ على الاستثمارات المصرية فى الجزائر. وهو كلام لا يصدقه عقل. بل يضاعف من عوامل التهييج والتأجيج التى تزيد من حدة الصراعات الإقليمية.. ولن يعيد لمصر كرامتها فى كل الأحوال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق