الاثنين، 30 نوفمبر 2009

وزير النقل المصري إقالة أم استقالة؟




عصام العريان


بعد مشهد صاخب في مجلس الشعب المصري حصل فيه وزير النقل والمواصلات المهندس «محمد منصور» علي تأييد غالبية أعضاء لجنة النقل والمواصلات من الحزب الوطني الحاكم وقبول اعتذاراته وتبريراته لحادث قطار الصعيد عند مدينة العياط جنوب الجيزة، والذي راح ضحيته حسب التقارير الحكومية 18 ضحية وعشرات المصابين، كان الخبر المفاجئ بقبول رئيس الجمهورية لاستقالة الوزير رجل الأعمال الذي تعددت حوادث القطارات قبل وبعد وأثناء استلامه منصبه قبل بضع سنوات، كان أشهرها حادث حريق قطار الصعيد نفسه عند نفس المدينة المنكوبة وراح ضحية الحريق وقتها أكثر من 400 ضحية بريئة تشكو إلي الله إهمال وفساد ومحسوبية الحاكمين
وبعدها استقال الوزير السابق «إبراهيم الدميري» وبعده قطارات اصطدمت عند قليوب راح ضحيتها الوزير عصام شرف الذي كان أقصرهم مدة.

ما دلالات ذلك الحدث؟

وماذا يعني حصول الوزير علي ثقة نواب البرلمان بينما يقدم استقالته صبيحة اليوم نفسه؟

وهل يعني ذلك أننا نعيش عصر الرجل الواحد الذي يشكل رضاه أو سخطه أهم شيء في حياة الوزراء، أما البرلمان ورجاله فهم لا يمثلون ثقلاً ولا اعتباراً؟

وهل يدل ذلك علي فشل إمكانية محاسبة الوزراء سياسياً أمام مجلس شعب منتخب؟ أم يدل علي أن هؤلاء النواب لا يمثلون الشعب الذي يُقال إنه انتخبهم؟

جدير بالذكر أن اثنين من نواب الصعيد الذي كان الضحايا من بين أبنائه جميعاً تعرضوا لنائب الإخوان «محمود مجاهد» الذي تجرأ وطالب باستقالة الوزير بل تهجم الاثنان عليه ليوسعوه ضرباً لولا تدخل بقية النواب لفض الاشتباك وتباري البعض من نواب الحزب الوطني الذي من المفترض أن يعودوا قبل سنة من الآن إلي دوائرهم للحصول علي ثقتهم من جديد في انتخابات عام 2010 المقبلة، تباروا لالتماس الأعذار للسيد الوزير إلي الدرجة التي وصلت إلي حد الهزل عندما يقول أحدهم : إن الوزير منحوس مثل نادي الزمالك ولكنه يلعب جيداً .

الدلالات السياسية للحدث واضحة لا تخطؤها عين مراقب محايد، ولم تخطؤها عين الرئيس ولا بعض مستشاريه الذين نصحوه بإقالة الوزير وأوعزوا إلي الوزير بتقديم استقالته حفاظاً علي بقية هيبته للحكم أو وضع للحزب تبخر مع تكرار الحوادث المميتة والتي راح ضحيتها الآلاف «مثل حادث العبارة الشهير» وبقاء الوزير رجل الأعمال في موقعه رغم كل ذلك، وهو صاحب شركة سيارات شهيرة وليس في حاجة للوزارة إلا للوجاهة أو لحماية مصالحه الخاصة.

الحزب الوطني سيعقد مؤتمره بعد بضعة أيام، وشعار الحزب في هذا المؤتمر استهلاكي فاقع يقول للمواطن المصري «من أجلك أنت» في سلسلة شعارات مماثلة أثارت غرابة لدي المواطنين بل سخرية المراقبين.

لذلك ارتبط الحادث في ذهن المواطن المصري بهذا الشعار الكاذب البراق، فها هم عشرات من المواطنين الفقراء راحوا ضحية سياسات الحكومة التي يصفها الجميع بأنها حكومة رجال الأعمال أو حكومة الجباية التي استنزفت أموال الطبقة الوسطي والدنيا في ضرائب لا تنتهي، آخرها ضريبة عقارية جديدة.

وهؤلاء جميعاً لا يجدون من يدافع عنهم داخل البرلمان، بل غالبية الأعضاء من الحزب الوطني «80 %» لا هم لهم إلا تأييد الحكومة ووزرائها والتماس الأعذار لهم، والتصدي للمعارضة خاصة الإخوان المسلمين بالسب والشتم والضرب أحياناً.

والبرلمان نفسه هو نتيجة إحكام القبضة الأمنية علي الانتخابات ، ومع غياب الإشراف القضائي بعد التعديلات الدستورية ، وعدم استقلالية لجنة الانتخابات، والإشراف التام لوزارة الداخلية وموظفي الحكم المحلي علي اللجان الفرعية التي يتم فيها التصويت، والمطاردة الأمنية المستمرة لنشطاء الإخوان والمرشحين منهم، وغياب أحزاب المعارضة الرسمية عن الشارع ومحاصرتها في مكاتب مغلقة، تكون نتائج الانتخابات معروفة سلفاً وترسمها وزارة الداخلية نفسها، وبالتالي تغيب المسئولية السياسية في البرلمان وتختفي المحاسبة السياسية للوزراء ولا يبقي إلا رضا السيد الرئيس أو غضبه يحدد مصير الوزراء.

ظهر جلياً من سياسات ذلك العهد وآخر حكوماته أن المواطن المصري هو آخر ما يمثل من اهتماماته، صحته، نظافة بيئته، توفير فرص عمل له، حقوقه كإنسان، حريته، كرامته ... إلخ.

أما أهم الاهتمامات لدي النظام والعهد فتمثلت في رضا المؤسسات الدولية الاقتصادية والالتزام ببرامجها علي حساب الفقراء والمواطنين وكذلك رضا الولايات المتحدة الأمريكية وأخيراً الرضا الصهيوني كما ظهر في مسألة ترشيح «فاروق حسني» لموقع مدير اليونيسكو وحتي رضا المنظمات الصهيونية مثل «إيباك» بأمريكا التي من أجل عدم إغضابها لم تحضر السفارة المصرية في واشنطن مؤتمراً لمنظمات أخري يهودية مع السلام وضد إسرائيل.

ويلزم لذلك إحكام القبضة الأمنية بقسوة بالغة لمنع الانفجارات الشعبية، وتطويق الاحتجاجات الفئوية أو المهنية بشدة لمنع اندماجها في حركة شعبية أو رفعها مطالب سياسية.

والمخرج من ذلك كله أن يدرك المواطن العادي أن حياته وأمنه كما أن صحته وكرامته رهن بالإصلاح السياسي والدستوري الذي يحقق له حق اختيار نواب يمثلونه تمثيلاً صحيحاً ويحاسبون الحكومة محاسبة شديدة، بل تأتي الحكومة لتخدمه هو كمواطن وليس لتخدم نظام حكم استبد بالأمر دون مشورة الشعب.. المخرج أن يتكاتف المحتجون والغاضبون جميعاً لرسم خريطة طريق آمنة لتغيير الأوضاع سلمياً وبأقل خسائر ممكنة لئلا يحدث الانفجار الذي بات الجميع يتوقعونه وينتظرونه أو يأتي القدر بالمجهول الذي يترقبه الحالمون بمخلص ينهي هذه الأوضاع الشاذة الغريبة.

سيصبح ذلك العهد الذي استمر حوالي ثلاثين سنة جملة اعتراضية في تاريخ مصر الحديث لم تتقدم فيها مصر إلي الأمام خطوة مناسبة، بل إن المفاخر التي كان سيكتبها أنصار العهد من تحسين المرافق والخدمات وإلغاء الديون واستعادة الأراضي والكرامة وغيرها تبددت قبل أن ينتهي العهد إلي كوارث من نوع كوارث القطارات والعبّارات، أو فشل ذريع مثل الفشل في جمع القمامة والزبالة، أو قتل للآمال في الانتقال إلي حياة ديمقراطية بعد محاولات عاجزة لم تنتج إلا خوف النظام من الشعب واختياراته وفرض الوصاية عليه في نهاية المطاف، وأخيراً تبعية ذليلة في مسائل الأمن القومي لاختيارات أمريكية لا تصب في النهاية إلا في مصالح العدو الصهيوني الذي لن يتحول أبداً إلي صديق أو يتخلي يوماً عن عدائه التاريخي لمصر ولشعب مصر.

البقاء لله في نظام مات من زمن وينتظر الجميع لحظة إعلان الوفا
ة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق